الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

ما تسمعه الفتيات قبل خلع الحجاب .


أرى أن وعي النساء بحقوقهن قد زاد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وإن من بين هذه الحقوق هو الحق في الإختيار.
إن الحق في الإختيار مكفول للجميع، فمن أرادت أن تخلع الحجاب أو أن ترتديه لا يجب التمييز ضدها، أو تصنيفها.

كثيرات تحدثن لأول مرة عن تجاربهن مع الحجاب القسري، لتصل نسبة الراجعات عنه أعلى  نسبة منذ سنوات، وإننا لن نحتاج أن نُحصي عدد الراجعات عن الحجاب خلال الثلاث سنوات الماضية، فإن دققنا النظر لوجدناهن صديقاتنا ، حبيباتنا، أخواتنا ، أو جاراتنا ، أو منَ هنَ في دوائرنا القريبة، إن لم نكُن نحنُ.

فالثورة على الحجاب ليست دينية ، وإنما هي أمر نسوي من الدرجة الأولى، مرتبط بوعي النساء بكونهن غير حرائر في قراراتهن، وأن حقهن في الإختيار شبه معدوم، فيقررن التمرد.
فيمّ بلغ الحجاب ذروة إنتشاره، أصبح صَك غفران مجتمعي للنساء، فنرى كيف تحولَ الأمر من القماش إلى القبول المجتمعي، حتى وصلَ إلى التمييز ضد غير المتحجبات وإستهجان مختلط بتوبيخ للنساء اللاتي قررن خلعه.

ولما إمتلأت الأجواء بقصص نساء خلعن أغطية رؤوسهن، ظلَّت أغلب حكاياتهن غامضة، وبها حلقة مفقودة، إن أغلبنا تُهمل تفاصيل مشاجرات أسرتها وصديقاتها المقربات، لأن الحديث عنها يجدد الألم، ولسنّ بحاجة لمضاعفة ألامهن قدر إحتياجهن إلى السلام.

في هذه المقالة لستُ بصدد مناقشة فرضية الحجاب، وإنما سأجتهد في جمع أشهر عبارات قيلَت لفتيات أردنّ خلع الحجاب.


-          (لأ هتلبسيه) .
إن كنتِ فتاة صغيرة ولم تستجيبي لرغبة أسرتك في تغطية شعر رأسك، حبًا في الطفولة أو كرهًا في الحجاب أو عدم إقتناع، فإنه لا مجال للرفض أو للمناقشة، إن رغبتك مرفوضة مذمومة، ولا بديل.
فكلمة "لأ" تُنهي رغبتك قبل أن تفارق كلماتك فَمك، وكلمة "هتلبسيه" أمر غير قابل للنقاش ولا مفاوضة فيه.

-          (الناس هتقول علينا إيه؟!) .
إن الأسرة لا تفكر في رغبة إبنتهم، ولا تهتم بحقها في إختيار إن أرادت تغطية شعرها أو لا، إنما تهتم الأسرة بالناس .. كلام الناس ، نظراتهم ، تلميحاتهم ، تتخيل الأسرة في ترقُب سحب القبول المجتمعي لإبنتهم، ولهم من قبلها، لأنهم لا يسيطرون عليها.
أما اللغة فهي خالية تمامًا منكِ، من إحساسك وإختيارك، وبها مكانين فقط: أسرتك، والناس.

-          (معرفناش نربيكي).
هذه الجملة التي تخلط بين مفهوميّ التربية والسلطة. فالتربية توجب النُصح بلا إجبار، أما السُلطة فهي الإجبار على الفعل، إن استخدام كلمة "معرفناش" تدل على العجز وخيبة أمل الأسرة في ابنتهم، التي بطبيعة الحال يتوقعون منها الطاعة العمياء، وكأنها آلة، لا عقل ولا روح ولا حقوق.

-          (هتتعلقي من شعرك يوم القيامة).
مَن يقول هذه العبارة للفتاة أقسم أنه لم يسألها يومًا عمّا إذا قد كانت أدت فروضها الخمسة، بإدعاء أنه يخاف عليها التعليق من شعرها، لكنه يهتم جيدًا بحجابها الذي هو ليس بركن من أركان الإسلام الخمسة المعروفة.
فمن الخبيث أن نُفدي أنفسنا بالآخرين، فالأسرة حين تفعل ذلك تُخيفك من النار، كي لا يقعون هم فريسة للقيل والقال.
إن العبارة التي تستدعي كل الرعب في قلب من يقرأها، يقولونها بمنتهى الراحة النفسية، فإن خرجت الفتاة عن طوعهم فكيف لها أن تخرج عن طوعهم ذا الصبغة الدينية؟

-          (مِش راجل).
إن تعريفي للرجُل مجتمعيًا بأنه الذكر الذي يُحكم سيطرته على إناثه، وحرف الهاء وُجِد هنا لإضفاء شعور الذكر بملكية هؤلاء الإناث.
هذه الكلمة موفية تمامًا بالغرض، فهي قصيرة، واضحة، ومباشرة.
فقد يقولها الأب أثناء ضربه لإبنته المتمردة، إنتقامًا منها لأنها نزعت رجولته أمام المجتمع، فلن يعترف أحد برجولته بعد أن أصبحت ابنته خارج السيطرة .. حُرّة.

-          (مفيش مصروف لحد ما تعقلي).
قد يلجأ الأهل إلى هذه العبارة في حالة أن البنت تعتمد عليهم ماديًا في أغلب أمور حياتها، وإنهم يقومون بإستغلال حاجتها إليهم، فالمال هنا مقابل الطاعة.
إن حرية النساء مرتبطة باستقلالهن المادي، فكلما كان الإستغناء عن الوصاية المادية مُمكنًا، كلما أصبح ضروريًا.

-          (أعملي اللي انتي عايزاه، بس أنا مش راضية عليكي).
إن الأم تلجأ لهذه الحيلة لإبتزاز ابنتها عاطفيًا، فهي تجعلها حرة في قرارها المشروط بغضب الأم ولعنتها، وإن الأم لها المكانة الكبرى لدى الفتاة، فسيختلف الأمر قليلًا عن غضب الأب الذي هو بضرورة الحال غاضب طوال الوقت.

-          (تربية مَرَة).
تخاف بعض المطلقات والأرامل من وصمهن بأنهن قمنّ بالتربية وحدهن دون رجُلاً، فإن كان المجتمع يعترف فقط بالأب كـ"واجهة اجتماعية رجولية" في المجتمع، فهو لن يعترف بتربية النساء لأطفالهن، وبالأخص فتياتهن، لما تحتاجه تربية الفتاة من حزم وشدة وسيطرة لن تُحكمَها الأم، فإن غياب الرجُل الداعم مجتمعيًا للأسرة ولهذه المرأة يُعد عيبًا يجب أن تتفاداه بشتى الطُرق، حتى ولو على حساب أولادها، وإنها في ذلك تستحق الشفقة مثلهم.

-          (لما نجوّزك أبقي خلّي جوزك يقلعهولك).
كما هو الحال في ربط طموحات البنت بزواجها، فإن خلع الحجاب أيضًا من بينها.
فالأسرة تعتبر هذا الطموح مكافأة للبنت على أنها "تزوجت"، فهنيئًا لها ما تريد، فقد حققت أكبر إنجاز لها على وجه البسيطة، ولذلك فإن كل أمنياتها مرهونة به وعليه.
" لما تتجوزي أبقي ارجعي متأخر" – "لما تتجوزي أبقي أعملي الدكتوراة" – "لما تتجوزي أبقي أقلعي الطرحة".
ومن تفسيرات هذه العبارة أن الأسرة ترغب في نقل الوصمة التي سيوصم بها الشخص المسئول عن تصرفات هذه الفتاة، إلى شخصٍ آخر غيرهم، وكأن الفتاة متاعًا أو أملاكًا تُنقل من مالك إلى آخر، وإن الوصمات تٌنسب للمالك الأخير وليس الأول (أب – أخ – أسرة)، هكذا تُعامل الملكيات الخاصة.
وإن الكلمات المستخدمة في هذه العبارة مُحبِطة للغاية، فاهناك شرط وفاعل جواب الشرط هو الزوج، وتبقى الفتاة مفعولًا به في الفعل الثاني كما هي في الفعل الأول.


-          (طلّلعي شعرك برّة الطرحة).
لا مفر من المساومة إذا فشلت محاولات الترهيب والترغيب والتهديد، فيلجأ الأهل للمساومة إعتقادًا منهم أن ما يدفع الفتاة  لخلع الحجاب هو رغبتها في إظهار شعرها، فيحاولون الوصول إلى حلٍ وسط، يضمن لها رغبتها ويضمن لهم وجاهتهم المجتمعية والمتمثلة في هذه الـ"طرحة".

-          (أقلعيه في الأماكن البعيدة واللي محدش يعرفنا فيها).
الفعل الأمر في هذه الجملة ليس أمرًا، إنه رجاء متشبعًا بالضعف، إن الأسرة تشعر بالضعف أمام تصميم إبنتهم على خلع الحجاب، فيلجأون إلى حيلة لا إرادية أخيرة في استسلامهم لها.
فهم يبحثون عن أماكن بعيدة ومنعزلة ليرى شعر ابنتهم النور فيها، ، لذلك يبحثون عن مجتمع موازٍ
لن يوصمهم ولن يوبخهم ولن يُشكِك في حسن تربيتهم لها.



لعنة اللغة

نستطيع أن نُلاحظ الأفعال في العبارات السابقة: (نربيكي – هتتعلقي – يقلعهولك) وهي تجعل من الفتاة مفعولًا بها، وإن كنتُ أراها واقعية سوداء، فالفتاة بالفعل مفعول بها في الحالات الثلاثة وأكثر منها، فهي لا تقوم بالفعل، بل يقوم به أحدًا عنها، وتبقى سلبية مستجيبة لا تُحرك ساكنًا كما يعتقدون.
فالفتاة لا تقرر إرتداء الحجاب، أو خلعه، كما يظهر في أفعال الأمر: (هتلبسيه – أعملي – طلّعي – أقلعيه)، فهم يتوقعون منها الاستجابة أيضًا، إنهم لا يقترحون عليها ويأخذون برأيها في الإعتبار بما أنه قرارها وحدها، هم يقومون بأمرها حتى في حالات استسلامهم لها.

لستِ موجودة!
كما يظهر في كلمات: (الناس هيقولوا علينا إيه – مش راجل – تربية مَرَة)، لا وجود لكِ في هذه الحالات، لا أحد يهتم بكونك راضية أم ساخطة، تشعرين بالراحة أم بالخضوع، إن الأمر تعداكِ رغم أنه يخصك!
تعداكِ لكونك تحملين راية العِفة والشرف والرجولة وحسن التربية، ويثقلون على كاهلِك ما ليس لك يدًا به، ككونك أنثى مثلًا.
فالأب لا يرى فيكِ سوى حاملة راية رجولته وشرفه فيحاول بشتى الطرق المحافظة عليهم، وإن إضطرَ في سبيل ذلك إلى محوكِ من الحياة نهائيًا.
فيمّ تراكِ الأم رمزًا لإنتصارها على هذا المجتمع الذي يعتبر تربيتها ناقصة لكونها أنثى ولغياب الزوج عن المشهد، فلن تعطيكِ فرصة لتشميتهم بها.
ويعتبرك الإثنين معًا واجهتهم أمام المجتمع، ودليل أنهم أب وأم صالحين، أدى كل منهم رسالته تجاهك على أكمل وجه حتى تصلين إلى يد المالك التالي.

أشخاصٌ يستحقون الشفقة
ما يفعله الأب والأم وأفراد الأسرة لهم عذر به، فنحن نعيش في مجتمع يحارب فردية الإنسان في كونه ذكر ويحارب وجودها نفسه في كونها أنثى، ونحن جميعًا أبناء وبنات هذا المجتمع وإنتاجه.
فالأب الذي لا يرى فيكِ سوى شرفه ورجولته، جزء من منظومة جعلته يعتقد أن رجولته هي السيطرة على الإناث من حوله، ومحو إرادتهن.
أما الأم فهي مَن وقعت في فخ الشرف قبلك بسنين قليلة، فقد كانت هي نفسها تُنقل من أبيها إلى أبيكِ كملكية خاصة، كإثبات لرجولة أبيها وكحاملة لشرف زوجها، لا أحد يأبه لما تريده، فهي نتيجة للمنظومة، إنها غير موجودة مثلنا تمامًا.

لماذا هذه العبارات سخيفة ؟

الأزمة الحقيقية عند قرار خلع الحجاب هو غياب الدعم الأسري، والذي يتسبب في إحساس سئ للبنت، فمن كان يقوم بدور الداعم أمام المجتمع ولو بشكل ظاهري، يتحول إلى آمر ناهي متحكم ومقاوم ومسيطر عليها، فتُعيش حالة من الخذلان والوحدة، والتي قد تنقلها إلى التفكير جديًا في الاستقلال كتبعية من توابع المواجهة.
تجربة خلع الحجاب تجربة صعبة، ولكنها رغم صعوبتها فارقة ومهمة، فالمواجهة تساعد على اكتشاف الذات، القوة والإصرار والنجاح في القرار يمثلون أكبر عوامل ثقة البنت في نفسها.

وكحلٍ واضح لهذه المأساة المتكررة، فأنني أرجح دائمًا "الوقت المناسب" ، وهو الوقت الذي تُدركين فيه حجم مكاسبك وخسارتِك من قرار خلعك للحجاب، فالمواجهة حتميّة ومرت بها أغلب الراجعات عن الحجاب.
واللحظة المناسبة هي اللحظة التي تكونين فيها مُستعِدة، وأنتِ فقط مَن تُحددها.

الخميس، 30 أكتوبر 2014

عربة السيدات .. المجال العام بعد التاسعة مساءًا


لم أكن من سُكان القاهرة لأعلم بداية تخصيص عربة للنساء داخل مترو أنفاق القاهرة، ولكنني اهتممت بهذا الأمر بعد استقراري بتلك المدينة لفترة كافية لأدرك أن المجال العام غير مُرحِب بأغلبنا من النساء.

أما قد يكون جميعنا نعرف أن المجال العام هو الأماكن والمساحات العامة التي يتواجد بها أفراد المجتمع نساءًا ورجالاً ومَن غير ذلك، وأن عربات النساء بالمترو عددها إثنتين فقط في مقابل تسع عربات مشتركة، وأما أن بعضنا يحتاج لتوضيح ذلك، فلزم التذكير.

إن ما يحدث بشكل يومي داخل عربات السيدات، يمكن قراءته بعدة طرق، وغالبًا ما أعتمد على القراءة الخارجية للمشهد وإرجاع النتائج لمسبباتها.

مترو الأنفاق نموذج مصغّر للمجال العام في مصر، المساحة التي يتشارك بها أفراد المجتمع بأفكارهن\م وبأجسادهن\م، ولكن بطبيعة الحال فإن أغلب مساحات المجال العام يشغلها الرجال رغم كونها للجنسين.

مضت عقود حُرمت فيها النساء من التواجد في المجال العام وتم قصره على الرجال فقط، وهذا ما جعلهن يكتبن تحت أسماء مستعارة أو يتجهن إلى الأعمال الخيرية لخلق مساحة لهن ولغيرهن من النساء في المجال العام، وإنتزاع حقهن فيه.

في المقابل كانت هناك مقاومة شديدة من الرجال ومعارضة قوية لتواجد النساء بالمجال العام أدت مع إصرار هؤلاء النسوة إلى فرض شروط عليهن للإنتقال من المجال الخاص (الأسرة والعلاقات الشخصية) إلى المجال العام.


مُسمار جُحا


أما عن المترو، فرغم وجود تسع عربات مشتركة بين الرجال والنساء فإن هناك عربتين للنساء، واحدة فقط منهما للنساء طوال فترة تشعيل المترو، والأخرى تصبح مشتركة بعد التاسعة مساءًا، وقد نتفق أو نختلف مع وجود تمييز داخل عربات المترو لكننا لن نختلف أن أصحاب فكرة تخصيص عربات للنساء بالمترو لا يختلفون كثيرًا مع المعارضين للفكرة، حيث يتفقون جميعهم أن تواجد النساء في الشارع يقل بعد التاسعة مساءًا، وبالتالي فإن احدى العربات مستباحة بعد التاسعة لنفس السبب، فتصبح عربة واحدة فقط للنساء وعشر عربات مشتركة.

وآثرت اسخدام لفظ "مستباحة" للتدليل على الاستباحة لفظاً ومعنى، فليس معنى أن شئ لا يتم استخدامه لما خصص له في فترة معينة، أن يُستخدم في غرضٍ آخر، وبخاصة أنها ليست أوقات ذروة كساعات الظهيرة فيتم تأويل الموقف إلى الإحتياج.

إن فكرة التمييز الإيجابي للنساء هنا أيضًا تحمل ذات الفكر الذكوري، ملخصها أن النساء وإن خرجن للمجال العام وصارعنّ من أجله، فإن عليهن شروط مقابل ذلك، فأن النساء إن أردن ركوب المترو ليلاً فلن يحتاجن أكثر من عربة واحدة في حال عدم تفضيلهن للعربات المشتركة، لأن من الطبيعي ألا تخرج النساء بعد التاسعة إلا للضرورات.

إن هذه الأمور يُمكن تصنيفها كبقايا مقاومة صريحة لوجود النساء في مثل هذه المساحات وغيرها من مساحات المجال العام.
أغلب الرجال من روّاد المترو يميلون إلى فكرة أن النساء مكانهن الطبيعي هو المنزل (المجال الخاص)، وهو ما يظهر جليًا في فكرتهم أن العربات المشتركة هي للرجال فقط، بإعتبارهم أرباب الأسر ومَن يخرجون للعمل بينما تعمل زوجاتهم في المنزل على تربية الأطفال، وبالتالي فإن كل امرأة تشاركه في أي مساحة عامة هي "مضطرة" لذلك.

وفي السنوات الأخيرة خرجت النساء من إطار الإضطرار إلى إطار آخر وهو المنافسة، ما جعل بعض الرجال يشعرون بالتهديد والخطر، وهو إحساس طبيعي لديهم حيث امتلكوا المجالين الخاص والعام لمئات السنين، وهم مَن يضعون الشروط للنساء الراغبات في دخول المجال العام، والآن تتنقل نساء كثيرات بين المجالين، وهو ما يتسبب في إستثارة سيطرة الرجال عليهن ومقاومتهم لهن.

فنجد عدد ليس بالقليل من الرجال يصيحون في امرأة تشكو الزحام داخل العربة المشتركة:
-         انتى اللى راكبة عربية الرجالة، روحي اركبي عربية الستات.

وإن تعرضت إحداهن للتحرش داخل العربة المشتركة تم إلقاء اللوم عليها بداية من عدم ركوبها عربات السيدات وركوبها عربة الرجال، إلى لومها على النزول من بيتها من الأصل، وقليلون يتوجهون باللوم للمتحرش.

كما نجد هؤلاء الرجال يركبون عربات النساء عن عمد، وقبل التاسعة مساءًا، ويستبيح الأخرى أيضًا، فتصبح عربات المترو جميعها مشتركة بعد التاسعة، وهو ما يخالف لائحة مترو الأنفاق الحالية.

الشعور بالخطر 

"انتوا عايزين إيه تاني؟ خدتوا كل حاجة"

كما قالها أحد الأشخاص لفتاة اعترضت على تواجده بعربة السيدات.
كما نزل رجل من العربة المشتركة مخصوص ليسُب فتاة علّقت باب المترو اعتراضًا على تواجد رجال بعربة السيدات، ثم رجع عربته مرة أخرى!
أتسائل ماذا لو كان أغلق باب المترو لحظة تنقله بين العربتين؟! شئ مضحك لكنه يدفعنا إلى تدقيق النظر في اقتحام الرجال لعربات السيدات.

إن ركوب أغلب الرجال لعربات السيدات ليس جهل أو وليد الصدفة، إنهم يشعرون بتهديد حقيقي لوضعهم الذكوري، والذي يضمن لهم التحكم والسيطرة على كل النساء القريبات منهم، والمجالات التي يحتكرونها كرجال.


الخط التاني

إن ما له الأولوية أثناء الحديث عن النساء، هن النساء أنفسهن.
إن النساء قد نجحن في التحايل على بعض الشروط الذكورية المفروضة عليهن للإنخراط في المجال العام، وقد طوعنّها للإستفادة منها في خدمة قضاياهن، كما ذكرت سلفًا، كالكتابة بالأسماء المستعارة أو الإتجاه للأعمال الخيرية التي تمكنهن من التواجد في المجال العام والذي كان حِكرًا على الرجال، لكن مازالنّ يصارعن على ما صارعن من أجله منذ مائة عام ويزيد.

الاستباحة

كم مرة صادفت أن تواجدتِ داخل عربة سيدات أثناء المشاجرة الروتينية اليومية لكل مترو منذ الساعة السابعة حتى الواحدة صباحًا بسبب تواجد الرجال بعربات النساء؟!
كم مرة كنتِ أنتِ بطلة المشاجرة؟!

إن أغلب مشاجراتنا لا تطرح فكرة تطبيق لائحة المترو قدر ما تكون دفاع عن المساحة التي خصصت لنا كنساء، إن الدفاع عنها هو الدفاع عن تواجدنا بهذه المساحة من المجال العام، أغلبنا تشاجرت من أجل هذه المساحة، وأغلبهم يركبون عربة السيدات لا لشئ أكثر من استباحة هذه المساحة!

وجدير بالذِكر أن من النساء مَن تقاوم اخرى رفضت تواجد رجل بعربة السيدات، وإن مثل هؤلاء النساء لسنّ سوى نتيجة لمسبب أكبر وهي المنظومة الذكورية التي نشأن بها، فإن من غير المنطقي ترك المسبب الرئيسي وتعليق السبب على النتيجة، لأن ببساطة إن إنتهى السبب إنتهت النتيجة.


إن ما نراه من صراع بين الجنسين ليس بسبب عربة المترو، وإنما هو تراكم سنوات وسنوات من احتكار الرجال للمجالين العام والخاص، في توازي مع حرمان النساء من المجال العام ووقوعهن تحت سيطرة الرجال في المجال الخاص.


فإن أردنا المساعدة في إعتدال كفتي ميزان القوى المجتمعية بين النساء والرجال فعلينا:
-         الإعتراف بحق النساء في المجال العام.
-         دعم حق هؤلاء النساء في صراعهن على مساحاتهن.


 *هذا المقال رأي شخصي غير مُلزم لأشخاص آخرين.

غدير أحمد
20\09\2014
صورة من وقفة "ثورة البنات" للتنديد بانتهاكات المترو ضد النساء - يوليو 2012 .

عن لوم الستات لبعض

مساء الخير..
أنا عاوزة أتكلم النهارده عن موضوع حساس وممكن ميعجبش ناس كتير، بس اللي خلاني عاوزة أتكلم فيه هو انتشاره في الفترة الأخيرة وبصورة ملحوظة.
لما بدأت تعلو موجة الكلام عن حقوق النساء في مصر في الفترة اللي فاتت، كان فيه موجة تانية بالتوازي معاها، وهي موجة ظاهرها مناصرة الستات وباطنها لومهن.
طيب إزاي مناصرة وإزاي لوم؟!

في نفس الفترة الأخيرة دي، فيه بنات وستات كتير بدأت تتكلم وترفض انتهاكات بتحصلها، أو تعيد النظر في طريقة تفكيرها وأهداف حياتها، عرفت إن الجواز مش الغاية والهدف، وإنها لازم تكون صاحبة القرار في حياتها وجسمها، وشايفة إن كل بنت وست لازم تفكر كده، ودول الفئة الأولى.
وفي المقابل فيه بنات تانية لسّه بتفكر بطريقة تفكيرها العادية، إنها هتتجوز وتخلف والعيال مسؤوليتها لوحدها، ولازم تسمع كلام جوزها، ومينفعش تقول لأ لأبوها لأنه عارف مصلحتها أكتر منها، ودي كمان فكرتها عن أي ست غيرها.. إلخ، ودول الفئة التانية. 

وهتكلم عن تعاملنا إحنا الستات مع الفئة التانية بالأخص.
الفئة الأولى اتقابلت مننا بالهجوم أحيانًا وبالترحيب أحيانًا، لكن الفئة التانية اتواجهت باللوم والسّب وتحميلها عبء أكبر منهن.
اتقال إن الستات دي هن السبب في اللي وصلتله الفئة الأولى، لأنهن وافقن إن دي تكون حياتهن وحياة غيرهن من الستات، ورغم إن ده جزء منه حقيقي، لكن جزء كبير مننا بيعتبروه الحقيقة كلها.

الستات دي نتيجة وجزء من منظومة بنرفضها، لكنهن مش المنظومة نفسها ولا السبب في وجودها، ولا في خنقتنا إحنا وهنّ، وده مش دفاع عنهن بقدر ما هو توضيح للواقع اللي بنعيشه كلنا.

مهم وإحنا أفكارنا بتطور وبتنضج، نتفهّم أفكار غيرنا، ونتفهّم سياقاتهم وواقعهم المختلف عن واقعنا، قبول الستات دول لأوضاعهن وعدم تمردهن مبيجعلش منهن السبب في اللي إحنا عايشينه كلنا كستات، باختصار لأن كل واحدة مسؤولة عن حياتها هي مش عن حياة كل الستات اللي في مصر، وده اللي لازم نفهمه وهن كمان يفهموه، عشان يقف دور كل ست مننا عند حدود حياتها هي وبس، مفيش واحدة مننا تصدر أحكام على غيرها أو تصنفها أو تبرر الانتهاك اللي بيحصلها، واللي ترضى فينا فعل ترضاه لنفسها فقط مش للي حواليها كمان.

ويمكن فعل "التبرير" هو الغلطة من وجهة نظري، إن الفئة الثانية بتبرر انتهاكها وانتهاك الفئة الأولى، لكن مهما كان التبرير لا يتساوى بفعل الانتهاك.

والأفضل إننا نتوجه باللوم للمنتهِك، واللي سمح بالانتهاك يحصل، مش للي برر الانتهاك، لأن مهما برر فهو مرتكبش الفعل، ومش هنحاسب الناس على أفكارهم.

اللي عاوزة أقوله إن مهم الستات تفهم ليه فيه ستات بتبرر انتهاك ستات غيرهن، ونعرف إن الستات دول نتيجة مش سبب، ولازم نشوف سبب الانتهاك ونتصدى له، بدل ما نتبادل الاتهامات بينا.

بنت لمدة يوم

النهارده نزلت الصبح وأنا مبتسمة :D ومقررة أكون "بنت" زي ما قال الكتاب، كيوت وحبوبة وصوتي واطي ومشيتي هادية ومتزنة كدهوت :D
أنا قلت مفيهاش حاجة يا غدير يا بنت عم أحمد لو قررتي يوم متتخانقيش وصوتك يجيب من ميدان الجيزة للمنيل،
وميجراش حاجة لو بطلتي زرزرة على خلق الله كده من غير سبب (-;
نزلت واتمشيت للشارع الرئيسي، قابلني سواق ميكروباز لذّوذ أوي، قرر كده في قرارة نفسه إنه يحدف لي بوسة ع الهوا، طبعًا أنا متضايقتش خالص، وابتسمت وحسيت أد إيه هو شخص بيحب السعادة لغيره لدرجة إنه قرر يبوسني، ففكرت في الجانب الإيجابي من الموضوع واتبسَطت، هو صحيح شلاضيمه مجاتش على شفايفي بس هذا لا يمنع إني اتباست :D آه والله يا جماعة أنا اتباست :D
Keep Calm Ghadeer, Keep Calm

وعلشان متأخرة كالعااااادة :@، جريت شوية لحد الموقف، وأنا بجري كانت نظرات الناس غريبة وعجيبة، إزاي بجري في الشارع وأنا بنت يعني؟! حتى لو متأخرة مفروض أمشي بالراحة يعني ده مش أسلوب :D
المهم وصلت موقف الميكروبازات، وسمعت صوصوة كده على نعنقة، فبحكم خبرتي عرفت إن دول جيل السواقين الجدد من 17 سنة فما فوق، قرروا يخلوا يومي جميل بإنهم يسمعوني زقزقة عصافير ببؤهم وأنا معدية، بالصدفة كان جنبي راجل كبير وبص وراه يشوف إيه الصوت ده، بصيت له وقولتله متقلقش يا عمو دول بيعاكسوني أنا، الراجل ضحك بصوت عالي من رد فعلي، وأد إيه أنا كنت مبسوطة إني منزلتش لمستوى السواقين والتباعين ومرضيتش أقولهم يحترموا نفسهم، لأني كده هبقى بقل من احترامي لنفسي زي ما كتاب البنت بيقول.
الحتة الحلوة بقى إن الراجل ضحك بسببي، وده يعتبر عمل خير وثواب ع الصبح :D 
Keep Calm Ghadeer, Keep Calm

الحمد لله وصلت الميكروباز بسلام، وقعدت ع الكنبة التانية وحرصت أقعد من برّة علشان أنا كده كده نازلة قريب، جه واحد محترم قالي: ممكن أقعد؟ فوسّعتله مكان علشان يعدي ويدخل يقعد جنب الشباك، قالي: "لأ ادخلي إنتي، إنتي بنت"، فظبطت نفسي بفكر إزاي هديله محاضرة نسوية سريعة عن إن مفيش فرق بين الراجل والست في الميكروبازات يا أوستاذ، وإن مفيش حاجة اسمها الراجل يقعد برّة والست تقعد جوة، أنا بصراحة عمري ما قريت حاجة عن ذكورية قعدة الميكروبازات:D
همممم افتكرت كلامي لنفسي وفي سري قلت إني النهارده "بنت" يعني الهدوء والكيوتنس والرقة والصوت الناعم، بنفس الصوت الناعم ده بقى قلتله "حاضر"، بس من جوايا كان فيه صوت خشن ولو لِمِس حد هيعوره بيقول: "اللهم طوّلِك يا روح".
Keep Calm Ghadeer, Keep Calm

وصلت الشغل يا جماعة لولولولولولي، أول حاجة دخلت الحمام بصيت في المراية، عدلت شعري كده وعلشان منساش قلت لنفسي في المراية: "بنت" :D
ومرت ساعات العمل، ونزلت أتدنجل كده وأتمشى في طريقي أقابل أصحابي، عديت من جنب اتنين احتاروا في أمري ، إذا كنت أنا "مُزّة" ولا مش "مُزّة"؟!
تنهيدة كده ومن الأول، اعتبرت إني شخصية معروفة وإن الناس بتقول رأيهم فيّ، وأكيد هيبقى عندي Haters زي ما عندي Fans، وقلت ميجراش حاجة يعني يا غدير الناس بيقولوا رأيهم، متكبريش الموضوع وخدي البوسة دي واسكتي.
بس قبل ما أسكت كان حد منهم قرر يتأكد من كلامه، قرر يحسم الأمر مع صاحبه، وجه يلمسني يشوفني "مزة" ولا مش "مزة"، ساعتها طلّعت كل اللي كاتماه من الصبح، وافتكرت كل اللي عديته وسكت، قررت مبقاش "بنت" لدقايق، عليت صوتي، زعقت، صرخت واتعصبت وشتمت، الناس اتلمت، وابتديت أقول لمس جسمي، وابتديت أسمع جمل جميلة زي: "يعني عملك إيه يعني ما إنتي سليمة أهو"، "إنتي بنت وعيب صوتك يعلا في الشارع"، "اتفضلي يا آنسة ومتلميش الناس عليكي"، "جرا إيه هو إنتي محدش قادر يلمك؟!"، "ما هو مش راجل علشان سمح لواحدة ست تشتمه".
والموقف انتهى بتساؤلات زي: "ما تشوف هي لابسة إيه!"، "هي كاشفة شعرها ليه؟!"، "هي ماشية لوحدها ليه؟!"، "هو فيه بنت محترمة تعلّي صوتها ف الشارع؟!"، "دي بتشتم! أكيد هي اللي عايزة كده".
وكأني علشان بنت مينفعش أتضايق ولا أتعصّب، علشان بنت لازم أقعد جنب الشباك ف الميكروباص! ولازم مجريش لو اتأخرت ع الشغل! ولو اللي ضايقني ولد أسكت علشان عيب صوتي يعلا على راجل!

ملحوظة: المواقف السابقة حصلت وبتحصل، وأي تشابه بينها وبين الخيال فهو مُتعمَّد ومقصود والمسؤول عنه هم الأشخاص اللي بيسمحوا بوجوده، أما عن مفهوم "البنت" فهو مفهوم من نفس ذات الخيال.
لأن البنات بني آدمين، بيحسوا وبيزعلوا وبيغضبوا ويثوروا، بيقولوا لأ، وبيتعصبوا، وبيشتموا عاااادي جدًا، مفيش ملائكية، ولا تابوهات (-;


المرأة بين المنزل والعمل العام

المرأة في المجتمع المصري هي "ربة المنزل"، ملكة المملكة، أي لها قدسيتها، فمن منطلق القدسية يتم صياغة المفاهيم الخاطئة التي قد تنفي القداسة تماماً وتذهب بنا إلى النقيض.
فعلى سبيل المثال: عندما نوصف المرأة بأنها ربة المنزل فنحن نقدسها وفي ذات الوقت نحقر من شأنها، فهي الإلهة التي تحتاج إلى الحماية لا التقديس، والحرص الذي يتطور إلى فقدان الثقة، حتى وصلنا إلى الوصاية الكاملة عليها، ومن هنا تبدأ النظرة الدونية إلى الأنثى كإنسان يحتاج دائماً إلى الحماية والرعاية.
المرأة العاملة في نفس المجتمع هي مصدر دخل لأسرتها، فمن لا تحظَ بزوج قادر أن يجعلها "ربة منزل" فهي مضطرة إلى الخروج للعمل من أجل توفير احتياجات الأسرة، وليس لإثبات كيانها كإنسانة بعيدًا عن دورها كأم وزوجة، وقلّما وجدنا نساء غرضهن هو إثبات الذات وليس الخروج الاضطراري للعمل.
ومن هؤلاء اللاتي قررن إثبات الذات هنّ المنخرطات في العمل السياسي والمدني، وعلى قلتهنّ إلا أنهن يتعرضن للتقليل من شأنهن لاسيما من الإناث قبل الذكور.
فالنظرة للمرأة السياسية أو النسوية أو العاملة بالمجتمع المدني هي أن ثلاثتهن لم يجدن الفرصة الذهبية لرجل يقدرهن حق تقدير فاهتممن بالشأن العام من أجل جذب أكبر لأعين "العرسان"، وإن كن متزوجات فلديهن "فراغ"، - هكذا يتم توصيفهن-.
فقد يصعب على شخص يرى الأنثى إما ربة منزل أو عاملة لسد احتياجات المنزل، إنسان يهتم بالآخرين ويهتم أن يكون له دور في صنع القرار وفي تطوير وتنمية المجتمع، فالعقلية المحدودة لن تستوعب وجود امرأة في موضع آخر، ولن تتسع آفاقه لتشمل وظائف أخرى يمكن أن تؤديها النساء غير الإنجاب والزواج، الزواج الذي هو المسعى الأول والأخير، الملاذ ونهاية الطموح للأنثى في المجتمعات العربية، فيستنكرون على من أرادت غيره طموحًا سعيها لإثبات ذاتها.
وعلى صعيد آخر فهناك أشخاص يقدرون المشتغلات بالشأن العام سواء كان مدني أو حزبي، يقومون بتشجيعهن إيمانًا منهم أن الأنثى كالذكر لها من الحقوق ما له وعليها ما عليه، بإختصار هي مواطنة.


هي للجسد .


.في البداية أودُ أن أشرح مفهومي عن الإنسان بإختلاف جنسه
.إن الإنسان لي هو ثلاثة أشياء لا تنفصل، وهم العقل والروح والجسد
.فتكمُن إنسانيته في التفكير والشعور والتعبير بالجسد
،إننا نُفكّر قبل أن نفعل الأشياء، ونشعر بها سلبًا وإيجابًا، كما أننا نستخدم أجسادنا للتعبير عن هذه الأفكار والمشاعر
.وهذا مناسب حيث أننا نعيش في عالم مادي، كل ما هو موجود يُمكن لمسه ورؤيته، فأجسادنا كذلك

:إن حرية الإنسان هي حريته في الأشياء الثلاثة والتي تخصه هو فقط
  • .أن يكون حر في عقله وأفكاره، له ما يعتقده ويفعله وتعود النتائج عليه هو فقط
  • .أن يكون حرًا في مشاعره، أن يشعر أو لا يشعر،أن يحب هذا الفعل ويكره ذاك، دون ضغوط أو تصنيفات
  • .أن يكون حرًا في جسده، أن يعبر عن أفكاره ومشاعره بلا تردد، وبدون خوف
    والأهم هو علمه بأنه غير حُر في أفكار ومشاعر غيره ، وبالطبع أجسادهم/ن.

    .إن ما تنطوي عليه السطور التالية مُصنَّف مكروه لدى الكثيرات والكثيرين

    .لا تتحرر النساء دون أن تتحرر أجسادهن

    إنني عندما أقول ذلك، لا أعني أن الحُرية بالجسد فقط، وإنما كما وضحت سلفًا أن الجسد أداة للتعبير عن حرية الأفكار والمشاعر.
    .إن ما يلزم النساء للتعبير عن حريتهن هو أنفسهن، أن تكون المرأة حُرّة العقل وحرة المشاعر وأيضًا حُرة الجسد
    .لماذا التشديد على الجسد ؟ لأن ما نعتقده ونشعر به سيظل داخلنا إن أصبح ظاهرنا ليس ملكنا
    وما أعنيه هنا هو أن تتكامل الأجزاء الثلاثة، أن تظل النساء كما هن بإنسانيتهن،
    .أن تفكّرن وتشعُرن وتملكن الحق في التعبير عن أفكارهن ومشاعرهن بأجسادهن، لأنها أجسادهن


    وبالحديث عن الجسد فهناك نقطتين يجب الخوض فيهما ومناقشتهما بشكل مباشر هذه المرة وبقوة

    أولاً: الملابس
    وهذه النقطة قتلت مناقشة ورغم ذلك نحن بحاجة إلي التأكيد على حرية إختيار الفتاة لملابسها، والتي قد تشعرها بالراحة أو بالأمان.
    فبعض الفتيات ترتدي الحجاب بإرادتها وبرغبتها في تغطية رأسها ونرى إنعكاس الإتساق بين الأفكار والمشاعر على الجسد، فهي ترتديه عن قناعة، تشعر فيه بالإرتياح، وهذا ما يظهر على جسدها
    وبعضهن إختارت ألا تغطي رأسها وهي في ذلك حُرة كالمثال الأول، لا تريد أن تغطي رأسها عن قناعة، ولأنها تشعر بالراحة بدونه، وهذا ينعكس على جسدها فلا ترتديه.
    وكذلك المثال على باقي الملابس والتي ليست بالضرورة أن تكون مقنعة أو مرضية للغير، وإنما يكفي إنها مرضية للفتاة صاحبة القرار الأولى والأخيرة، دون تبريرات أو توضيح لماذا إختارت هذا أو رفضت ذاك.
    ويختلف واقع الفتيات المصريات، فبجانب المثالين السابقين، هناك فتيات يجمعن بين الحالتين برضاهن أو بدون،
    فمثلاً قد نجد فتاة غير مقتنعة بالحجاب وترتديه لإعتبارات مجتمعية، أو مقتنعة بالحجاب لكنها لا تريد أن ترتديه وهي أيضًا حرة تمامًا.
    .وإن تحدثنا عن الملابس فكل فتاة حُرة في أن تغطي جسدها أو لا تغطيه كيفما شائت هي، لا كما شئنا


    ثانيًا: الحُرية الجنسية
    نعم، وجب الإعتراف بأن للفتيات وللنساء عامة حقوقًا جنسية وهي من المسكوتات عنها، ولعل ما قد يتبادر في ذهن الأغلبية الآن هو صورة تشبه ميرفت –فتاة الليل- في فيلم بئر الحرمان.
    يجب أن تتغير تلك الصورة الذهنية عن مصطلح الحرية الجنسية وربطه بتجارة الجنس.
    إننا عندما نقول حُرية جنسية لا نعني ممارسة الجنس، وإنما الحُرية في إختيار الفعل أو رفضه.
    أن تختار الفتاة أن تمارس الجنس أو لا تمارسه، وأن تختار ميولها الجنسية دون رهبة.
    أن تختار الفتاة  الحفاظ على عذريتها لأنها هي من ترغب في أن تظل عذراء، وليس أي شخص آخر حتى عائلتها.
    إن الحقوق الجنسية وبخاصة للنساء غير محبوبة الخوض فيها لإعتبارات عقائدية، وأعود للتأكيد على حرية الفعل لا الإجبار عليه.
    وأعلم جيدًا إن ما ستتم مناقشته هو الموقف العقائدي من الحرية الجنسية ولكن هذه المرة لن نتجنب الحديث عنه.
    إن تطرقنا لمناقشة الإسلام للحرية الجنسية فنجده ، حرّمها ولم يمنعها، وفي عدم المنع حُرية إختيار الفعل حتى لو تم تصنيفه مُحرمًا، وفي وضع عقاب للفعل أيضًا إعتراف أن الإنسان/ة الواقع عليه/ا العقاب إختار/ت بإرادته/ـا الحُرة أن يفعله/تفعله، وهذا يكفي للرد على الموقف العقائدي من وجهة نظر إسلامية.

    وتختلف طرق التعبير بالجسد، فالمظاهر والملابس أحدها، ولغة الجسد نفسها تختلف إن كان الشخص ذكر أو أنثى،
    فالذكر حر في أغلب تعبيرات جسده، بينما الأنثى يجب أن تضع الإعتبارات السابقة في حسبانها.

    .وبجانب طرح إشكالية علاقة المجتمع بأجساد النساء، فإن السؤال يتجه بنا إلي علاقة النساء بأجسادهن
    في المجتمع المصري علاقة النساء بأجسادهن معقدة للغاية
    ،إننا حين نولد إناث نُعامل معاملة " الأمانة " ، إن الأسرة تستقبلنا كطفلات وتحافظ علينا لتسلمنا لزوج يحافظ علينا أيضًا
    وتظل أزمة الحفاظ واختلاطها بأبوية فجّة من كل ذكر وضعنا القدر في طريقه، بداية من الأب والأخ والزوج، حتى الخال وأبناؤه ، العم وأبناؤه ، زوج بنت خالتنا، إلخ، فجميعهم يشعرون بملكيتهم لأجسادنا، ولأن ما يهمهم بحق هو الجسد فقط أيًا كانت أفكارنا ومشاعرنا بداخله ، فإن وسيلة التعبير عن تلك الهلاوس هي الجسد، - وكله تحت السيطرة - .
    تنتقل فكرة الأمانة من أسرنا إلينا، نشعر طوال الوقت أننا مؤتمنات على أجسادنا رغم أننا نملكها.
    ونتردد ألف مرة قبل أي فعل نفعله لنفس السبب، ولأننا نخاف حقًا، نخاف التصنيف، نخاف الوصم ونخاف العقاب.
    اكتشفت مؤخرًا إن ما يمنعنا كفتيات من أفعال معينة ليسوا أهلنا، وليسوا الجيران، إنها أنفسنا التي مازالت تقاوم وترضخ رغمًا عنا، وإن قاومناها قاومتنا، وإن ضعفنا أمامها شعرت هي بالإنتصار.
    وبالرغم من كون بعضنا حرائر في أفكارنا ومشاعرنا حتى ولو في الخفاء، فمازلنا لا نشعُر بالحرية.
    إننا لا نعبر عما بداخلنا ، إننا لا نفعل كل ما نؤمن به في العلن خوفًا من المجتمع، إننا وإن تحررنا كعقول فمازالت أجسادنا ملكهم.
    هناك خلل ما، إن الفتاة منّا حُرة العقل والإحساس لكنها مقيدة الجسد، إننا نفتقد أداة التعبير الوحيدة عن إنسانيتنا، وعن وجودنا.

    غدير أحمد 
    22/04/2014
    .إن ما تناولته في هذا المقال هو وجهات نظر شخصية وغير مُلزمة لأشخاص آخرين

    الثورة تمر على أجساد النساء .


    "الثورة تمر على أجساد النساء" 
    عبارة أودُ لو أرفقتها بصورة للسيارة البيضاء الأشهر عام 2011 ، وددتُ لو أستطعت إرفاقها بصوت عظام المتظاهرين المرتطمة بعجلات تلك السيارة،  ليلة 28 يناير 2011 بشارع قصر العيني.
    في مشهد خالد في أذهاننا صوتًا وصورة، سيارة لا نعلم من يقودها تتجه بقوة إلى المتظاهرين، تسحق عظامهم في غير رأفة، تعلو الصرخات ويشتعل فتيل الغضب فينهض الجميع بعد الصعداء للضرب بقوة على الحديد، ثم الهتاف.
    وعلى غرار مبارك، لم أكن أنتوي الحديث عن أحداث ثورية بعينها، لكن إن كان للتخيل بُد، فلنتخيل معاً من الواقع، ولنُدرك سويًا أن من الواقع ما هو أسوء من الخيال.

    منذ إنطلاق الموجة الأولى للثورة وهناك إغفال واضح وقد يكون مُتعمّد لأدوار النساء، بداية من أسماء وصور الشهيدات وإختصارهن في الشهيدة سالي زهران، حتى اللحظة. *راجع قائمة شهيدات الثورة المصرية*
    مضت ستة أشهر على مقال لي بعنوان "بلورة الكريستال والإغتصاب الجماعي بميدان التحرير"، شرحت به الخلط بين الثقافة الاجتماعية السائدة عن النساء وبين إستغلال السلطات لهذه المفاهيم، وجدير بالذكر أن أول حادث تحرش جماعي تم نشره كان في أوائل عام 2006 صباح عيد الأضحى ونشره المدوّن "وائل عباس"، وأن أول حادث تحرش جماعي تم رصده أثناء الثورة كان بالصحفية "لارا لوجان" أثناء الإحتفال بتنحي المخلوع مبارك.

    وهُنا تبدأ قصة هذه الثورة التي أرهقت ثائريها وأُزهِقَت أرواح شهدائها، ففي يوم المرأة 8 مارس 2011 تم التحرش الجماعي بمسيرة نسائية داخل ميدان التحرير، قالت إحدى الناجيات: الإعتداء صدر من أشخاص ينتمون إلى تيار إسلامي حسب ثيابهم وإطلاقهم لِحاهم.

    وتفاجئنا بعساكر الجيش يحتجزون عدد من النساء داخل المتحف المصري يوم 11 مارس 2011، وتم تعذيبهنّ والكشف على عذريتهنّ إجباريًا.
    *راجع حيثيات قضية كشف العذرية التي رفعتها سميرة إبراهيم*

    أما أثناء معركة محمد محمود بين وزارة الداخلية والثورة فقد رصدت الفيديوهات حالات إعتداء بالضرب وشد الشعر للنساء والفتيات بالشوارع أثناء فض الإعتصام.
    *راجع فيديو إلقاء الشهداء بالقمامة*

    ثم توالت الأحداث لنرى صورة "ست البنات" تتصدر المشهد السياسي بعبائتها السوداء وبيادة عسكرية تعلو جسدها بعد أن تم سحلها وتجريدها من ملابسها، كذلك وفي نفس الأحداث تم الإعتداء بالضرب والسحل على نساء أخريات من بينهنَ "غادة كمال" وبعض المُسِنات.

    وأثناء موقعة العباسية مايو 2012 تم إلقاء القبض على عدد من النساء من بينهن الطبيبة "آية محمد كمال" التي ذهبت لتفقد أحوال المصابين ثم ألقي القبض عليها بواسطة الشرطة العسكرية.

    وفي النصف الأخير من عام 2012 ، وأثناء معركة محمد محمود في شهر نوفمبر، تم تسجيل عدد من حالات التحرش الجماعي داخل ميدان التحرير، وكانت المرة الأولى التي ننتبه جميعنا إلى أن الإعتداءات منظمة تستهدف النساء، وليست كالتي إعتدناها في إحتفالات مباريات الكرة والأعياد والمناسبات، حيث شهد ميدان التحرير في الذكرى الثانية للثورة 25 يناير 2013 أكثر من 20 حالة إعتداء جنسي جماعي على متظاهرات بميدان التحرير ومحيطه بينهم حالة إغتصاب بآلة حادة.
    وفي أحداث 30 يونيو وعلى مدار أربعة أيام تم تسجيل أكثر من 160 حالة إعتداء جنسي جماعي بميدان التحرير، تتراوح أعمار الناجيات من 6 أعوام حتى 70 عامًا، طفلات وحوامل ومسنات، بعضهن إحتاجت دعم طبي ومايتراوح بين 4-6 حالات إغتصاب كامل.
    *راجع إحصائيات قوة ضد التحرش*

    جرس إنذار
    إن كان لهذه الثورة أهداف فلتتوقف قليلاً -  Pause
    إن مايحدث في ميدان التحرير حقيقة يجب معالجتها، لا إستغلالها من فصيل سياسي ضد الآخر لتحقيق مكاسب وهمية،
    توقفوا إذًا عن الإتجار بأجساد النساء، هن شريكات الوطن وشريكات الثورة، وإن كانت الثورة ستظلم أيًا منّا فلن نرضَ أن نكون الطرف المظلوم، لا نتحدث بعقدة الإضهاد التي وصمتم بها المدافعات عن حقوق النساء على مر عقود لشخصنة القضايا النسوية ، نتحدث من مبدأ الحق في الوطن، عن حق الأمان والسلمية.

    عندما نتحدث عن الإعتداءات الجنسية الجماعية بميدان التحرير نُصدم بالإنكار !
    وكأن ميدان التحرير هو مدينة فاضلة وليس جَمع بشري به من كل الطبقات الإجتماعية والمستويات الفكرية ما يجعلنا نتمهل في الحكم على المتواجدين به وكأنهم ملائكة.
    إن هذه الإعتداءات تحدث كل مناسبة أو إحتفال، فبعض أفراد هذا الشعب لديه كبت جنسي وغياب وعي يجعله يرى في الأنثى قطعة من اللحم، يهمُ بالإنقضاض عليها كلما سنحت له الفرصة،
    وإن كانت الأنظمة السياسية تستخدمه كسلاح ضد المتظاهرات فعلينا الإعتراف أنه بالأصل مرض مجتمعي
    عملت السلطة على إعطاؤه غطاءاً سياسيًا وتبريرًا لحيوانية بعض أفراد هذا الشعب، إضافة إلى محاولة إستخدام آلات حادة وأسلحة بيضاء لإغتصاب المتظاهرات!

    وبعجلات الثورة تُسحق أجساد النساء، بين السحل والتعرية وكشوف العذرية وإعتداءات جنسية جماعية. 

    عن دائرة الجحيم
    هي دائرة نصف بشرية ونصف شيطانية، هناك في هذه البقعة السوداء من أرض وطنك، أيادي كثيرة تعبث بجسدك، أخرى تساعد في نزع الملابس عنه، ثالثة تحاول جاهدة الوصول إليك،
    صراخك يعلو ويعلو ولا أحد يُغيث، جميعهم ينتهكونك، جميعهم يستهدفونك، وفي آذانهم وقرًا عن الصراخ والتوسلات، كثيرون يعرضون المساعدة، لكنهم في الأصل ينتهكونك : "متخافيش أنا بحميكي، وهو إيده في بنطلوني" كما قالت إحداهن، فيختلط الجميع في هستريا، وعدد مطوقي الدائرة يزداد وإن كانت محظوظة ستجدها إحدى فرق التدخل وتنقذها بأقل خسارة ممكنة ، وفي الطريق إليها تتعرض فرق الإنقاذ لشتى أنواع الإيذاء، من ضرب  المعتدين لهم بالشوم والأسلحة البيضاء والأحزمة من أجل الحفاظ على فريستهم التي قد تكون امرأة مسنة، أو طفلة أو حامل،
    الدائرة لا يحكمها سن أو حالة إجتماعية، هم فقط ذئاب وجدوا الفريسة.

    شريكاتكم يتعرض للإنتهاك، أجسادهن تُنتهك لأنهن يمارسن حقهن في التظاهر، لن أستعطف أحد بعبارات كليشيهية كـ أترضاه لأختك أو أترضاه لأمك ، أنت مُجبر ألا ترضاه لشريكاتك طالما تطالب بحرية الرأي، طالما طالبت بالكرامة الإنسانية وطالما أنت تنتمي لهذه الثورة، فإن كان الحديث عن إنتهاك النساء في ميدان التحرير سيشوّه الميدان، إذا فليتشوّه الميدان، ولتتشوهون جميعًا بإدعاءاتكم الكاذبة عن الحُرية، وأولوياتاتكم التي لا ترأُسها قضيتنا الإنسانية العادلة، ولتذهبون جميعًا إلى مكان ترتضي به النساء أن يكنّ رقم أخير على قائمة أهدافكم السياسية.
    فقد طفح الكيل وفاض، وأحملكم جميعًا –أشخاصًا ودولة- مسئولية كل إنسانة تم تشويه نفسيتها في قمة لحظات إنتمائها لوطن يغتصبها معنويًا وجسديًا.

    أين ضباط الشرطة الذين رفعتموهم على الأعناق ؟ أين رجال الجيش الذين تتغنون أنهم معكم يدًا واحدة ؟!
    وأين الأحزاب والقوى الثورية من ثالث هدف من أهداف الثورة : الكرامة الإنسانية؟
    في هذه اللحظات سادتي تنجلي الحقائق، وتُعرف الشعارات الرنانة والخُطب العصماء من المبادئ الثابتة.

    هناك صفحة بيضاء في كتاب التاريخ لـ "هنّ"
    هنّ اللاتي إنتهكنّ في صمت، وأغفل إنتهاكهنّ الجميع بالصمت ذاته.
    هنّ لن تهتف، هنّ تُغتصَب.

    غدير أحمد
    05\07\2013


    عام من خلع الحجاب ، عام من الاختيار الحر


    كنتُ قد دوّنت منذ عام قصة غطاء رأسي المعروف مجتمعيًا باسم الحجاب
    ملخص القصة: أرتديت الحجاب في سن الثانية عشر بعد أن تم فرضه على جميع تلميذات مدرسة البنات الإعدادية التي إلتحقت بها، ومر عام والثاني وألتصق بي وتعوّدت عليه، كما باتت فكرة خلع الحجاب فكرة مجنونة في مجتمع كالذي نشأت به، ومر عشر سنوات، بين رغبتي أن أكون أنا وبين قدرتي على التعايش حتى قيام الثورة، وعندها قررت أن أنتزع حقي في أن أكون صاحبة قراري، تحدثت عن رغبتي في خلع الحجاب لأول مرة، لكن نظرات والدي وتجاهله لما أتحدث عنه، دعوات والدتي بالهداية لأني فقدت عقلي، جعلتني أمارس الدبلوماسية وأعلم أن ما أريده لن آخذه بصراخ الأطفال ودّبدبة أقدامهم في الأرض، كان عليّ أن أتصرف كالكِبار، بالمكر والحيلة، كان عليّ إيجاد الحل المناسب في الوقت المناسب.

    ثورة البنات
    أسست ثورة البنات يناير 2012، كانت البداية برفض جميع القيود المجتمعية على النساء، تحدثنا عن كل شئ حتى سلطنا الضوء على الحجاب وكيف خرج من إطار الفرض الديني لإطار الواجبات المجتمعية، كتبنا ..
    وكتبنا وكتبنا .. حتى كتبت دينا الشابي مقال بعنوان "أول يوم من غير حجاب" عن قصة قصيرة لفتاة قررت أن تخلع غطاء رأسها الذي تم فرضه عليها دون سؤالها، لكن نظرات والديها وأصحابها جعلتها تتراجع عن قرارها، وتنتهي القصة باستسلام الفتاة للمجتمع، فترتدي "سكارف" على رأسها مع كارينا وليجن، وتذهب إلى الجامعة.
    أتذكّر جيدًا أن هذا المقال كان له الأثر الأكبر، فقط لأني تخيلت أني هذه الفتاة المُستسلِمة!

    قررت أخلع الحجاب
    25/05/2012
    ذهبت لأمي في المطبخ : أنا خلعت الحجاب !
    – أمي :|
    "أنتي اللى هتتحرقي في النار" قالتها وهي تُبرئ ذمتها من فعلتي، وبإحساسها الذي أعلمه جيدًا كانت تتمنى لي أن أرتاح.
    كنتُ قد قضيت شهور في شرح ما أعانيه يوميًا وأنا أقوم بلف طرحتي أمام المرآة، هذه ليست أنا
    ليس هذا ما أختارته لأفعله !!
    تعاطفت مع نفسي أوقات ووبختها أغلب الوقت.
    منافقة .. أفعل ما يريدونه فقط لأنهم أرادوه، ماذا عن إرادتي أنا ؟ ماذا عن رغبتي أنا ؟
    في الشهور الأخيرة .. وصل الأمر أنني لم أعد قادرة على التنفس، كنت أختنق في المواصلات والشارع
    كنت أبكي كلما خطوت خارج المنزل وأنا مفعول به ، لست فاعلة رغم أنني المسئولة وأنني المُحاسَبَة!
    كل مرة دعوت الله مراراً وتكرارًا أن يُريحني، كان إصراري يزيد أن أفعل ما أرغبه بإرادتي الحُرة.
    كل مرة كتبت أن الفتاة لابد أن تقرر ما تريده، كنت أشعر أنني أقول ما لا أفعله، وأفعل ما لا أقوله،

    أنتي اللي هتتحرقي في النار .. بعضًا من المكابرة لن يضر، القليل من الإستياء سيحفظ موافقتها في قالب : اللهم بلغت اللهم فاشهد، شعرت بأمومتها تجاهي وهي ترى دموعي وأنا أتوسلها أن تقف إلى جانبي، وفعلت.
    جاء والدي من صلاة الجمعة فقلتُ له: أنا خلعت الحجاب.
    سألني بنبرة حادة: مشيتي اللي في دماغك ؟ وقبل أن أجيب تبعها بسَبَة : يابنت الكلب.
    أجبت: لأ. منزلتش من غيره، بس هنزل النهاردا، وأنتوا لازم تبقوا عارفين.
    شعرت أنه أصبح أهدى لأني مازلت تحت السيطرة، فقال : أبقي وريني هتنزلي بشعرك إزاي.
    تدخلت "غادة" أختي الكبرى، وبعد موافقة أمي المتظاهرة بالغضب: سيبها يا أحمد هي اللي هتتحاسب.

    أذكُر بوضوح نبراته هذا اليوم، بين الغضب ومحاولة إرضائي وتهديدي بأني إذا فعلت سيعتبرني "مُت" ..
    أذكر حين ضغط على وتر "الفرض الديني" وأذكر كيف شرحت أن الله لن يرضَ عن فعل أفعله وأنا مجبرة،
    هل إذا أجبرني أحدكم على الصلاة سيقبلها ؟ قال: لا ، قلت له : كذلك هو الحجاب، لن يقبله لأنني أرضي به غيره،
    شعر أنه في مأزق، قال لي : "الناس" هنقولهم إيه ؟ ، قلت له: "ربنا ولا الناس" !
    في الواقع الإجابة كانت "الناس"، "المجتمع" وكيف سينظرون إليّ، حتمًا سيقولون أنني غير مهذبة،
    وقتها سيلومون الذكر صاحب السيطرة والقرار لكل ماهو مؤنث تحت يده.
    "بنتك ماشية بشعرها"، قالها وهو ينظر يسارًا إلى الأعلى، كان يتخيل كيف سيبدو "كرجُل" أمام كلماتهم اللعينة.
    قلت له بهدوء: أتبحث عن رضا الناس وهم لا يرضون سوى أنفسهم، أتبحث عن رضا الناس أكثر من رضا الله ؟
    أتبحث عن رضا الجميع إلا أنا ؟؟ أنا مش بقى مش راضية، مش مرتاحة، تعبت يا بابا !
    تدخلت غادة مجددًا: فكّر فيها هي يا بابا، هي تعبت، لازم تحس بينا، حاولنا كتير نقرب منك حاول أنت تقرب مننا مرة واحدة، حسسنا إن لينا أهمية،
    همممم حسنًا إنها في الغالب لجأت إلى "وتر المشاعر" وعزفت سيمفونية الأب المثالي، وشعرت أن أبوّته غلبت، حينها فقط أدركت أنني لو تركتُ الفرصة لن تأتِ أبدًا.

    دخلت لأرتدي قميص بكُم، وبنطلون، ربطتُ شعري ووقفت أمام المرآة أحدث نفسي:
    أفعليها الآن، الآن وليس غدًا.
    خرجت ووقفت أمامه: مين عارف، يمكن أنا اللي أبقى عاوزه ألبسه تاني،،
    نظر لي في تحدي وقال: هتلبسيه تاني وحياتك! ابتسمت وأغلقت الباب وغادرت مع غادة.

    أول يوم من غير حجاب
    وعلى عكس ماحدث مع بطلة القصة، كان خروجي من المنزل بدون غطاء للشعر غير لافت لإنتباه أي شخص
    توقعت أنني سأرى أفواه مفتوحة عن آخرها من الدهشة وعلامات الإستفهام فوق رؤوسهم كأفلام الكارتون،
    توقعت أن تزداد نسبة التحرش ، لكن النسبة كانت ثابتة "العادي".
    شعرتُ بالهواء يُداعب خصلات شعري المتطايرة عبثُا، كنتُ أتنفس بعمق الراحة وأتنسّم عبير الحُرية.
    أشتريت ملابس جديدة وقامت أختي الصغرى بتصويري.

    أتذكر لحظة أن وقفت أمام المرآة وبيدي طرحة، وضعتها على شعري، وأغمضت جفناي
    تنفست بهدوء ثم قمت بفتحهما وأنا أبتسم
    كانت لدي رغبة في أن أرتديه مرة أخرى، أفتقدته
    لم أنجرف وقتها وراء إحساسي ربما أنا أقاوم داخلياً فكرة إعتيادي على شئ استمر عشر سنوات.

    عندما ذهبت للجامِعة ونظرت زميلاتي لي قلنَّ : أنتي قلعتي الطرحة ؟!
    أجبت بسعادة : نعم ،، سألن لماذا: أجبتٌ: حُريتي، فصمتنّ.
    أما زملائي الذين لم أعرفهم سوى في لجان الإمتحانات، طرحوا سؤالًا آخر يوم دراسة عن حُكم الإخوان
    وكنا على أعتاب الإنتخابات الرئاسية فأوضحت رأيي عن جماعات الإسلام السياسي: فقال لي أحدهم:
    بلاش أنتي تتكلمي، سألته بحدة: نعم؟!
    قال: لما تغطي شعرك الأول ,,,, لا أذكر مما حدث سوى أن أحداً قام بإستدراجي بعيدًا عن "الخناقة".

    لسّة شوية
    لم تنتهِ القصة، ولم ينتهِ الصراع هنا، قد يكون بدأ
    بعد عشرة أيام من خلع الحجاب، وفي ليلة أول إمتحان لي دخل عليّ أبي الغرفة،
    قال لي بوضوح: لازم تلبسي الحجاب!
    سألته: ليه؟!
    أجاب: الناس بيقولوا بنتك مش مؤدبة.
    قلت بالوضوح ذاته: أخبرهم إن كان الأدب بالحجاب فليرتدوه، وليضعوه فوق رؤوس أولادهم الذكور،
    الذين نسمع أصوات سبابهم لهم ليلاً نهارًا.
    خرج أبي بعدما أحتدت نبراتنا في الحديث وأخبرني أنني سأرتديه بمجرد أن تنتهي إمتحاناتي،
    تركتُ كتابي وبكيت، ظللت أبكي الظلم لأنني أنثى ! فقط أنثى في هذا المجتمع المريض،
    حسنًا، لن أتمنى أن أصبح ذكرًا لكي أمارس حقوقي، سأمارسها وأنا أنثى، لأني إنسان.
    زاد إصراري أن أقاوم، وأن أرفض، سأقاوم ,, وسأنتصر.

    المواجهة
    مر شهر يونيو، وفرغت من اختبارات الليسانس، وبدأت ثورة البنات تُعرف أكثر، وكان موعدي مع المديرة التنفيذية لجمعية نهوض وتنمية المرأة لإجراء مقابلة شخصية للإلتحاق بفريق العمل بعد أن عرضت عليّ رئيسة مجلس الإدارة الإنضمام لهنّ، كنت قد تحدثتُ مع أسرتي مسبقًا أنني سأستقل حال قبولي في الجمعية، وأتفقنا على القبول.
    أستيقظت يوم موعد المقابلة الشخصية في الصباح وأستيقظ أبي، رآني أمام المرآة فتقدم نحوي،
    سألني: برضو هتنزلي من غير طرحة ؟!
    أجبتُ: أيوة
    لم أستوعب كيف أنه ضربني على وجهي مرتين ولم أشعر سوى بطعم الدماء في فمي، وكيف نزع القرط من أذني حتى أنها أصيبت هي الأخرى،
    وقتها نظرت له بحدة وقلت بنبرة فروغ الصبر: مش هلبسه، مش هلبســه
    قال بتهديد: هاتي مفتاحك، متدخليش البيت دة تاني
    ببساطة أعطيته مفتاح المنزل، وقررت عدم العودة مرة آخرى، كانت رغبته، لم تكُ رغبتي.

    وخرجت وأنا على سفر للقاهرة لإجراء المقابلة الشخصية، أتذكر أنني ظللت أبكي مدة 4 ساعات،
    وألتقيت بالجميلة "آلاء حسني" أدمن ثورة البنات، عرضت أن تستضيفني في منزلها، وبالفعل
    كانت والدتها وأختها وزوجها مرحبين بي، ثلاثة أيام كانت مكابرتهم تجعلهم يهاتفون أقاربنا لكي يطمئنون عليّ،
     ثلاثة أيام لم يسأل عني أبي، ولم تهاتفني أمي، لم يسألني أحدهم أين ذهبت، كيف آكل وأين أنام،
    وقتها قررت العودة إلى المنزل، جاء وقت الإستقلال الإجتماعي.

    سافرت إلى المحلة وأشتريت شنطة سفر وعدتُ إلى المنزل ووضعت ملابسي بها، لم ترحب بي أمي
    ظنًا انها "تربيني بالمقاطعة"، وجاء أبي فتفاجئ بوجودي، ظن خطأً أنني عدتُ من الندم، لم يتخيل أنني قررت الإنفصال فعلاً، لم يتوقع أنني سأرد بقوة عندما يسألني لماذا عدتِ إلى المنزل، فأجيبه أنه حقي
    وأن هذه حياتي، وأني لم أجبرهم على إنجابي، فقد فعلوه بإرادتهم، وبموجب أنهم الأب والأم الشرعيين لي،
    فإن لي حقوق، ومن حقوقي أن آتِ إلى المنزل، ومن حقهم أيضًا أن يغادروه إن لم يرغبوا في رؤيتي أثناء الزيارة.
    قال لي أنه رب المنزل، قلت له: وأنا ابنة رب المنزل.

    الاستقلال الاجتماعي
    سافرت للقاهرة في اليوم التالي، بحثت عن دور مغتربات فوجدتُ واحدًا في الجيزة، وساعدني صديقي "عمرو زايد" في نقل متعلقاتي إلى هناك، أتذكر أنني دفعت ثلثي ما أمتلكته من مال في إيجار سرير في شقة للمغتربات،
    وأني لم أكن قد تم قبولي للعمل بعد، أتذكر أن ما معي كان أقل من خمسمائة جنيه، وأتذكر أنني لم أطلب من أحد ان يُعطني مال حتى أختي، وأن أول طعام أشتريته كان "كيس أندومي".

    مر خمسة عشر يومًا منذ غادرت المنزل، ثم سافرت للمرة الأولى بعد قرار الإستقلال، كان أبي يتجنب التعامل معي، وكذلك أمي، لكني كنت أعلم من غادة أنهم يسألون عنّي باستمرار من خلالها،
    كنت أعلم أنها مسألة وقت كما يقولون، وأنني لو لم أقاوم الآن فسأعيش إلى الأبد بلا قرار،
    ثم بدأت العلاقة تتحسن بعد ثالث أجازة أسبوعية، وعلاقتي بهم الآن أفضل من ذي قبل.
    إلى وقت قريب ظلوا يحدثونني عن إرتداء الحجاب، كانت بدايته بالأمر،
    أما الآن هم يسألونني فقط ويُرجعون الرأي الأخير لي،
    وهذا ما كنت فقط أريده، أن أكون أنا.

    شكر
    لكل من ورد أسمائهم هنا، وشكرًا لأبي وأمي لأنهم قاموا بتربيتي على تحمل المسئولية أيًا كانت.
    شكر خالص لـ "ثورة البنات" التي غيّرت القائمين عليها قبل المشاركين بها.

    تصحيح
    تدخل هذه التجربة في حيز رفض شئ تم الإجبار عليه، جرّب أن يُجبرك شخص على فعل شئ ما
    بغض النظر عن كونه هذا الشئ فرض أم غير ذلك، ثم حاول أن تمارسه لمدة عشر سنوات،
    أضف قيد وهمي أسمه "كلام الناس" إلى الممارسة، ثم أسِرد لنا قصتك مع التأقلم والرفض ثم التمرد.
    لأستكمل حديثي عن كم فتاة في مصر ترتدي غطاء الرأس بالإكراه، وكم منهنّ تخلعه خارج المنزل
    وكم رسالة بها من الألم ما يجعلك تبكي على حال صاحبتها، هؤلاء من أرسلنَ لي
    ومّن لم يرسلنّ أكثر. 

    إهداء
    عادة لا أرغب في الحديث عن قرارتي الشخصية، حتى أنني لم أكتب عن خلعي للحجاب وقتها
    وتفاجئ الجميع أنني أظهر في برنامج تليفزيوني بدون حجاب، لكن بعد زيادة سؤالي عن الحجاب
    وعن رغبة كل فتاة أرسلت لي أنها تريد أن تخلع الحجاب وتُريدني أن أطلعها على تجربتي،
    قررت أن أهديكنّ هذه التجربة، قررت أن أوجه لكنّ رسائلي من بين السطور
    لعل واحدة منكنّ على الأقل تجد ضالتها هُنا، والآن :
    -          فكري جيدًا قبل إتخاذ القرار.
    -          تحملي مسئولية قرارك.
    -          إختاري الوقت المناسب.
    -          حللي إنفعالات أسرتك جيدًا.
    -          استعيني بأحد الأشخاص الموثوق بهم من أسرتك.
    -          أبذلي ما في وسعك بالحلول السلمية.
    -          لا تنفعلي، لا تلجأي للصراخ.
    -          لا تلجأي للتحدي، هم سيلجأون إليه، اتركي لهم هذه الخطوة.
    -          ميّزي أي الأوتار يتحدثون بها، الفرض الديني أم المجتمع أم المشاعر.
    -          دبلوماسيتك ليست غباءًا، وإنتظارك للوقت المناسب ليس إستسلامًا.
    -          تصالحي مع نفسك ولا تحمّليها أكثر من طاقتها.
    -          لا يوجد تغيير بدون مواجهة، الذكاء أن نستثمر المواجهة في صالحنا.
    -          يُمكن أن نتجنب الخسائر بالاستسلام، ويمكن أن نقللها بمعرفة كيف سنتعامل مع ما نخسره.
    -          إن كنت مازلتي تحتاجينني، فأنت تحتاجين نفسك أولاً، وأنا على استعداد للحديث معكي.
    -          كتبت بالياء لأني أعتز بكي أكثر من إعتزازي باللغة.

    أنا
    بعد مرور عام من هذه التجربة، أهنئ ذاتي بكل اللحظات الصعبة التي مرّت وهي معي، تزيدني إصرار
    وتقوّي من إرادتي على الصمود.
    كما أهنئ كل الفتيات اللاتي فعلنها سواء بعدما تحدثن إلي أو وحدهنّ.
    كنتُ في البداية أشعر أنني مسلوبة الإرادة، والآن أشعر أنني حُرّة ،، حُرّة بمعنى الكلمة.
    عندما يتطاير شعري بفعل الهواء و"تبوظ تسريحته" أتذكر ما مر من أجل هذه اللحظة .. فأبتسم.
    كل عام وأنتي حُرّة


    أول صورة لي بعد خلع الحجاب
    25/05/2012
    10:15 PM