الخميس، 30 أكتوبر 2014

سارة .. من مرمطة الشارع إلى سخرية الفيسبوك .


سارة طالبة كلية الإعلام، زوجة أحد الأشخاص، راعية أسرة لها من الأطفال 12طفل، عاهرة ..
لمن لا يعرف "سارة": تقول الرواية أنها فتاة كانت طالبة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، قادتها الظروف إلى إمتهان بيع الجسد، فعملت في مجال تجارة الجنس حتى زوجت أخوتها الصغار، إلى أن توقفت يومًا عن بيع جسدها مقابل المال، وأمتهنت بيع المناديل في إشارات المرور مرتدية النقاب حتى لا يتعرف عليها أحد، ثم تتزوج سارة لأحد الأشخاص الذي يتعاطى "كل شئ" حسب وصفها، وبرغم أنها تمر بظروف إجتماعية سيئة إلا أنها يومًا لم تفكر في الرجوع إلى تجارة الجنس.

"علشانك ياسارة" جملة رددها رواد الفيسبوك بأكثر من صيغة تجمع بين التهكم والسخرية، والجهل.

سارة التي لم يتقبلها المجتمع وهي فقيرة رغم دراستها في أحدى كليات القمة كما يسمونها، ثم لم يرحمها حين قررت أن تتاجر بجسدها، ثم رفضها وهي تبتاع المناديل في الإشارات، ثم لم تلبث أن ارتاحت من همّ الماضي حتى ظهر في حياتها زوج سئ الخُلق والسلوك، فقررت أن تخرج من صمتها الذي طال سنوات، تتحدث إلى مذيع الراديو المعروف،حيث لا أحد سيرد، لا أحد سيوجه إليها اللوم، لا وجود لنظرات الاشمئزاز، لا صوت للهمز، ولا نظرات العطف المزيف، وليتها لم تفعل.

فـ"سارة" التي فرت من الواقع إلى عالم إفتراضي من جمهور المحبين،لم تسلم من أسياط الألسنة التي جعلتها أضحوكة بين أشخاص لم يعرفوا يومًا ما هي المسئولية، ما قد تفعله الحاجة في إنسان، ,ما قد تضطره الظروف إليه>
حسنًا فالسطور التالية بها قليل من التنظير على القراء لأول مرة، وكثيرًا من الإنصاف لهذها لـ"سارة".

أعزائي هل تعرفون ما قد تكون مرت به سارة قبل أن تلجأ إلى بيع جسدها؟!
كيف وأنت/ي تجدون ما ترغبون به حتى ولو بعد عناء، فأنتم تحصلون عليه، ربما سارة هي كذلك، احتاجت لكنها لم تجد مَن يسدِ حاجتها التي تمثلت في أخوتها، أستنتج أن يسألني أحدكم في ذهنه الآن: "هو كل واحد احتاج حاجة هيروح ينام مع الناس بالفلوس؟؟!" ،
وكأن الجميع لهم نفس مقدار المبادئ، تلقوا نفس التربية، وغُرَسَت في نفوسهم نفس الفضيلة.

وهُنا سأستكمل التنظير، عليك أن تشكر والديك، فهناك أشخاص لم يمتلكوا نصف فرصتك في التربية إن جاز التعبير، ولم يعرفوا الفضيلة حتى جربوا من الرذائل أردئها.

إن أردت أن تُحاسب "سارة" عليك أن تُحاسب مجتمع يُقدس جسد الأنثى ويلعنه في آنٍ واحد، وإن أردت أن تراها بعينِ العَدل، فقُم بقياس بسيط بين حاجتها الأولى وحاجتها الثانية، وكيف بعد قرارها بالإبتعاد عن ما أسمته"الحرام" لم تُفكر بالعودة إليه رغم بؤس حياتها الزوجية.
ضربت "سارة" مجتمعنا الشرقي المحافظ ضربة قاتلة، عندما صرّحت أنها قامت بعملية ترقيع لبكارتها لتثبت أنها عذراء وتتزوج كأي فتاة، وبرغم أنها ليست عذراء، وبرغم أنه لا يوجد عائق لرجوعها إلى تجارة الجنس بعد زواجها، إلا أنهالم تعُد!

فكانت رسالتها الضمنية أن نقاط الدماء لا صعوبة في إيجادها، بينما يبقى الشرف كمفهوم وكفضيلة لا يقبل الإختزال في بضع نقاط من الدم.

أما عن "سارة" بائعة المناديل، فهناك آلاف منها في الإشارات وبداخل عربات المترو، منهنّ مَن إرتدت النقاب خوفًا من أن يتعرف عليها أحدهم ذات مرة، لكن استكمالًا للتنظير، دعوني أسأل سؤال خبيث: ما الذي نفعله عندما نقابل احدى "السارات" في أي مكان؟! سأجيب أيضًا: نحن نلتفت في الاتجاه الآخر لوجودهنّ، نرمقهنّ بتساؤلات أجهلها: "لماذا لا تعمل عمل لائق بدلاً من التسول بحجة بيع المناديل؟" ، و
قتها يختارنا الغباء لنُصبح رُسلاً له على أرض الواقع، وكأننا ننسى أو نتناسى أن الذي أوقعها في المُر هو الذي أمر منه!

لحظة أن أختارني الغباء أيضًا قفزت في ذهني "ن" تلك الفتاة التي عملت بأحد المصانع الذي شاركت في إدارته لشهورِ قليلة، كانت "ن" تتحمل تحرشات صاحب العمل مقابل ألا يخصم يوميتها إذا اضطرتها الأمطار إلى المكوث في قريتها وعدم الذهاب إلى المصنع في المدينة، ولأن "ن" كانت تعول أسرتها بعدما هجرها الأب وترك في عنقها الأم وخمسة أخوات، وقتها لم أكُن أملك من الخبرة ما يجعلني أبرر استمرارها في العمل ولم تذهب لتبتاع المناديل في الشارع أكرملها مثلاً ! 
كانت "ن" فتاة في الخامسة عشر من عمرها.

أعزائي إن كُنا لا نقبلهنّ في مهنهنّ البسيطة، فعلينا أن نتركهنّ وشأنهن في المهن المُخِلة بقواعد الشرف المشكوك في صحتها، وإن كُنا لا نضمن لهنّ حياة أفضل، فعلينا أن نكُف عن إصدار الأحكام، فينطبق علينا مثل: لا بنرحم ولا بنسيب رحمة ربنا تنزل.
علينا أن نكُف عن توزيع نظرات الشزر، أن نتوقف عن إصدار الأحكام، وأن نسخر من أنفسنا أولاً، قبل أن نسخر ممن وضعتهم حاجاتهم في أوضاع لو أختاروا بينها لأختاروا الانسحاب، لكن للأسف خُلقت الحياة بلا أداة للانسحاب منها.

أما عن مهنة بيع الجسد فهذه تحتاج إلى مقال منفصل، وحتى كتابته لا تنعتوهنّ بالعاهرات، فالعاهِر الحقيقي هو مَن لم تتسع مداركه ليقرأ ما بين السطور، وليفهم ما لا تقوله الكلمات، العاهِر الحقيقي هو كل شخص تدخل فيمّ لا يعنيه، تألّه فقام بالحُكم على غيره دون وجه حق، والعاهِر أيضًا مَن لم يرحم حاجة غيره.

غدير أحمد
25/04/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق