الخميس، 30 أكتوبر 2014

عام من خلع الحجاب ، عام من الاختيار الحر


كنتُ قد دوّنت منذ عام قصة غطاء رأسي المعروف مجتمعيًا باسم الحجاب
ملخص القصة: أرتديت الحجاب في سن الثانية عشر بعد أن تم فرضه على جميع تلميذات مدرسة البنات الإعدادية التي إلتحقت بها، ومر عام والثاني وألتصق بي وتعوّدت عليه، كما باتت فكرة خلع الحجاب فكرة مجنونة في مجتمع كالذي نشأت به، ومر عشر سنوات، بين رغبتي أن أكون أنا وبين قدرتي على التعايش حتى قيام الثورة، وعندها قررت أن أنتزع حقي في أن أكون صاحبة قراري، تحدثت عن رغبتي في خلع الحجاب لأول مرة، لكن نظرات والدي وتجاهله لما أتحدث عنه، دعوات والدتي بالهداية لأني فقدت عقلي، جعلتني أمارس الدبلوماسية وأعلم أن ما أريده لن آخذه بصراخ الأطفال ودّبدبة أقدامهم في الأرض، كان عليّ أن أتصرف كالكِبار، بالمكر والحيلة، كان عليّ إيجاد الحل المناسب في الوقت المناسب.

ثورة البنات
أسست ثورة البنات يناير 2012، كانت البداية برفض جميع القيود المجتمعية على النساء، تحدثنا عن كل شئ حتى سلطنا الضوء على الحجاب وكيف خرج من إطار الفرض الديني لإطار الواجبات المجتمعية، كتبنا ..
وكتبنا وكتبنا .. حتى كتبت دينا الشابي مقال بعنوان "أول يوم من غير حجاب" عن قصة قصيرة لفتاة قررت أن تخلع غطاء رأسها الذي تم فرضه عليها دون سؤالها، لكن نظرات والديها وأصحابها جعلتها تتراجع عن قرارها، وتنتهي القصة باستسلام الفتاة للمجتمع، فترتدي "سكارف" على رأسها مع كارينا وليجن، وتذهب إلى الجامعة.
أتذكّر جيدًا أن هذا المقال كان له الأثر الأكبر، فقط لأني تخيلت أني هذه الفتاة المُستسلِمة!

قررت أخلع الحجاب
25/05/2012
ذهبت لأمي في المطبخ : أنا خلعت الحجاب !
– أمي :|
"أنتي اللى هتتحرقي في النار" قالتها وهي تُبرئ ذمتها من فعلتي، وبإحساسها الذي أعلمه جيدًا كانت تتمنى لي أن أرتاح.
كنتُ قد قضيت شهور في شرح ما أعانيه يوميًا وأنا أقوم بلف طرحتي أمام المرآة، هذه ليست أنا
ليس هذا ما أختارته لأفعله !!
تعاطفت مع نفسي أوقات ووبختها أغلب الوقت.
منافقة .. أفعل ما يريدونه فقط لأنهم أرادوه، ماذا عن إرادتي أنا ؟ ماذا عن رغبتي أنا ؟
في الشهور الأخيرة .. وصل الأمر أنني لم أعد قادرة على التنفس، كنت أختنق في المواصلات والشارع
كنت أبكي كلما خطوت خارج المنزل وأنا مفعول به ، لست فاعلة رغم أنني المسئولة وأنني المُحاسَبَة!
كل مرة دعوت الله مراراً وتكرارًا أن يُريحني، كان إصراري يزيد أن أفعل ما أرغبه بإرادتي الحُرة.
كل مرة كتبت أن الفتاة لابد أن تقرر ما تريده، كنت أشعر أنني أقول ما لا أفعله، وأفعل ما لا أقوله،

أنتي اللي هتتحرقي في النار .. بعضًا من المكابرة لن يضر، القليل من الإستياء سيحفظ موافقتها في قالب : اللهم بلغت اللهم فاشهد، شعرت بأمومتها تجاهي وهي ترى دموعي وأنا أتوسلها أن تقف إلى جانبي، وفعلت.
جاء والدي من صلاة الجمعة فقلتُ له: أنا خلعت الحجاب.
سألني بنبرة حادة: مشيتي اللي في دماغك ؟ وقبل أن أجيب تبعها بسَبَة : يابنت الكلب.
أجبت: لأ. منزلتش من غيره، بس هنزل النهاردا، وأنتوا لازم تبقوا عارفين.
شعرت أنه أصبح أهدى لأني مازلت تحت السيطرة، فقال : أبقي وريني هتنزلي بشعرك إزاي.
تدخلت "غادة" أختي الكبرى، وبعد موافقة أمي المتظاهرة بالغضب: سيبها يا أحمد هي اللي هتتحاسب.

أذكُر بوضوح نبراته هذا اليوم، بين الغضب ومحاولة إرضائي وتهديدي بأني إذا فعلت سيعتبرني "مُت" ..
أذكر حين ضغط على وتر "الفرض الديني" وأذكر كيف شرحت أن الله لن يرضَ عن فعل أفعله وأنا مجبرة،
هل إذا أجبرني أحدكم على الصلاة سيقبلها ؟ قال: لا ، قلت له : كذلك هو الحجاب، لن يقبله لأنني أرضي به غيره،
شعر أنه في مأزق، قال لي : "الناس" هنقولهم إيه ؟ ، قلت له: "ربنا ولا الناس" !
في الواقع الإجابة كانت "الناس"، "المجتمع" وكيف سينظرون إليّ، حتمًا سيقولون أنني غير مهذبة،
وقتها سيلومون الذكر صاحب السيطرة والقرار لكل ماهو مؤنث تحت يده.
"بنتك ماشية بشعرها"، قالها وهو ينظر يسارًا إلى الأعلى، كان يتخيل كيف سيبدو "كرجُل" أمام كلماتهم اللعينة.
قلت له بهدوء: أتبحث عن رضا الناس وهم لا يرضون سوى أنفسهم، أتبحث عن رضا الناس أكثر من رضا الله ؟
أتبحث عن رضا الجميع إلا أنا ؟؟ أنا مش بقى مش راضية، مش مرتاحة، تعبت يا بابا !
تدخلت غادة مجددًا: فكّر فيها هي يا بابا، هي تعبت، لازم تحس بينا، حاولنا كتير نقرب منك حاول أنت تقرب مننا مرة واحدة، حسسنا إن لينا أهمية،
همممم حسنًا إنها في الغالب لجأت إلى "وتر المشاعر" وعزفت سيمفونية الأب المثالي، وشعرت أن أبوّته غلبت، حينها فقط أدركت أنني لو تركتُ الفرصة لن تأتِ أبدًا.

دخلت لأرتدي قميص بكُم، وبنطلون، ربطتُ شعري ووقفت أمام المرآة أحدث نفسي:
أفعليها الآن، الآن وليس غدًا.
خرجت ووقفت أمامه: مين عارف، يمكن أنا اللي أبقى عاوزه ألبسه تاني،،
نظر لي في تحدي وقال: هتلبسيه تاني وحياتك! ابتسمت وأغلقت الباب وغادرت مع غادة.

أول يوم من غير حجاب
وعلى عكس ماحدث مع بطلة القصة، كان خروجي من المنزل بدون غطاء للشعر غير لافت لإنتباه أي شخص
توقعت أنني سأرى أفواه مفتوحة عن آخرها من الدهشة وعلامات الإستفهام فوق رؤوسهم كأفلام الكارتون،
توقعت أن تزداد نسبة التحرش ، لكن النسبة كانت ثابتة "العادي".
شعرتُ بالهواء يُداعب خصلات شعري المتطايرة عبثُا، كنتُ أتنفس بعمق الراحة وأتنسّم عبير الحُرية.
أشتريت ملابس جديدة وقامت أختي الصغرى بتصويري.

أتذكر لحظة أن وقفت أمام المرآة وبيدي طرحة، وضعتها على شعري، وأغمضت جفناي
تنفست بهدوء ثم قمت بفتحهما وأنا أبتسم
كانت لدي رغبة في أن أرتديه مرة أخرى، أفتقدته
لم أنجرف وقتها وراء إحساسي ربما أنا أقاوم داخلياً فكرة إعتيادي على شئ استمر عشر سنوات.

عندما ذهبت للجامِعة ونظرت زميلاتي لي قلنَّ : أنتي قلعتي الطرحة ؟!
أجبت بسعادة : نعم ،، سألن لماذا: أجبتٌ: حُريتي، فصمتنّ.
أما زملائي الذين لم أعرفهم سوى في لجان الإمتحانات، طرحوا سؤالًا آخر يوم دراسة عن حُكم الإخوان
وكنا على أعتاب الإنتخابات الرئاسية فأوضحت رأيي عن جماعات الإسلام السياسي: فقال لي أحدهم:
بلاش أنتي تتكلمي، سألته بحدة: نعم؟!
قال: لما تغطي شعرك الأول ,,,, لا أذكر مما حدث سوى أن أحداً قام بإستدراجي بعيدًا عن "الخناقة".

لسّة شوية
لم تنتهِ القصة، ولم ينتهِ الصراع هنا، قد يكون بدأ
بعد عشرة أيام من خلع الحجاب، وفي ليلة أول إمتحان لي دخل عليّ أبي الغرفة،
قال لي بوضوح: لازم تلبسي الحجاب!
سألته: ليه؟!
أجاب: الناس بيقولوا بنتك مش مؤدبة.
قلت بالوضوح ذاته: أخبرهم إن كان الأدب بالحجاب فليرتدوه، وليضعوه فوق رؤوس أولادهم الذكور،
الذين نسمع أصوات سبابهم لهم ليلاً نهارًا.
خرج أبي بعدما أحتدت نبراتنا في الحديث وأخبرني أنني سأرتديه بمجرد أن تنتهي إمتحاناتي،
تركتُ كتابي وبكيت، ظللت أبكي الظلم لأنني أنثى ! فقط أنثى في هذا المجتمع المريض،
حسنًا، لن أتمنى أن أصبح ذكرًا لكي أمارس حقوقي، سأمارسها وأنا أنثى، لأني إنسان.
زاد إصراري أن أقاوم، وأن أرفض، سأقاوم ,, وسأنتصر.

المواجهة
مر شهر يونيو، وفرغت من اختبارات الليسانس، وبدأت ثورة البنات تُعرف أكثر، وكان موعدي مع المديرة التنفيذية لجمعية نهوض وتنمية المرأة لإجراء مقابلة شخصية للإلتحاق بفريق العمل بعد أن عرضت عليّ رئيسة مجلس الإدارة الإنضمام لهنّ، كنت قد تحدثتُ مع أسرتي مسبقًا أنني سأستقل حال قبولي في الجمعية، وأتفقنا على القبول.
أستيقظت يوم موعد المقابلة الشخصية في الصباح وأستيقظ أبي، رآني أمام المرآة فتقدم نحوي،
سألني: برضو هتنزلي من غير طرحة ؟!
أجبتُ: أيوة
لم أستوعب كيف أنه ضربني على وجهي مرتين ولم أشعر سوى بطعم الدماء في فمي، وكيف نزع القرط من أذني حتى أنها أصيبت هي الأخرى،
وقتها نظرت له بحدة وقلت بنبرة فروغ الصبر: مش هلبسه، مش هلبســه
قال بتهديد: هاتي مفتاحك، متدخليش البيت دة تاني
ببساطة أعطيته مفتاح المنزل، وقررت عدم العودة مرة آخرى، كانت رغبته، لم تكُ رغبتي.

وخرجت وأنا على سفر للقاهرة لإجراء المقابلة الشخصية، أتذكر أنني ظللت أبكي مدة 4 ساعات،
وألتقيت بالجميلة "آلاء حسني" أدمن ثورة البنات، عرضت أن تستضيفني في منزلها، وبالفعل
كانت والدتها وأختها وزوجها مرحبين بي، ثلاثة أيام كانت مكابرتهم تجعلهم يهاتفون أقاربنا لكي يطمئنون عليّ،
 ثلاثة أيام لم يسأل عني أبي، ولم تهاتفني أمي، لم يسألني أحدهم أين ذهبت، كيف آكل وأين أنام،
وقتها قررت العودة إلى المنزل، جاء وقت الإستقلال الإجتماعي.

سافرت إلى المحلة وأشتريت شنطة سفر وعدتُ إلى المنزل ووضعت ملابسي بها، لم ترحب بي أمي
ظنًا انها "تربيني بالمقاطعة"، وجاء أبي فتفاجئ بوجودي، ظن خطأً أنني عدتُ من الندم، لم يتخيل أنني قررت الإنفصال فعلاً، لم يتوقع أنني سأرد بقوة عندما يسألني لماذا عدتِ إلى المنزل، فأجيبه أنه حقي
وأن هذه حياتي، وأني لم أجبرهم على إنجابي، فقد فعلوه بإرادتهم، وبموجب أنهم الأب والأم الشرعيين لي،
فإن لي حقوق، ومن حقوقي أن آتِ إلى المنزل، ومن حقهم أيضًا أن يغادروه إن لم يرغبوا في رؤيتي أثناء الزيارة.
قال لي أنه رب المنزل، قلت له: وأنا ابنة رب المنزل.

الاستقلال الاجتماعي
سافرت للقاهرة في اليوم التالي، بحثت عن دور مغتربات فوجدتُ واحدًا في الجيزة، وساعدني صديقي "عمرو زايد" في نقل متعلقاتي إلى هناك، أتذكر أنني دفعت ثلثي ما أمتلكته من مال في إيجار سرير في شقة للمغتربات،
وأني لم أكن قد تم قبولي للعمل بعد، أتذكر أن ما معي كان أقل من خمسمائة جنيه، وأتذكر أنني لم أطلب من أحد ان يُعطني مال حتى أختي، وأن أول طعام أشتريته كان "كيس أندومي".

مر خمسة عشر يومًا منذ غادرت المنزل، ثم سافرت للمرة الأولى بعد قرار الإستقلال، كان أبي يتجنب التعامل معي، وكذلك أمي، لكني كنت أعلم من غادة أنهم يسألون عنّي باستمرار من خلالها،
كنت أعلم أنها مسألة وقت كما يقولون، وأنني لو لم أقاوم الآن فسأعيش إلى الأبد بلا قرار،
ثم بدأت العلاقة تتحسن بعد ثالث أجازة أسبوعية، وعلاقتي بهم الآن أفضل من ذي قبل.
إلى وقت قريب ظلوا يحدثونني عن إرتداء الحجاب، كانت بدايته بالأمر،
أما الآن هم يسألونني فقط ويُرجعون الرأي الأخير لي،
وهذا ما كنت فقط أريده، أن أكون أنا.

شكر
لكل من ورد أسمائهم هنا، وشكرًا لأبي وأمي لأنهم قاموا بتربيتي على تحمل المسئولية أيًا كانت.
شكر خالص لـ "ثورة البنات" التي غيّرت القائمين عليها قبل المشاركين بها.

تصحيح
تدخل هذه التجربة في حيز رفض شئ تم الإجبار عليه، جرّب أن يُجبرك شخص على فعل شئ ما
بغض النظر عن كونه هذا الشئ فرض أم غير ذلك، ثم حاول أن تمارسه لمدة عشر سنوات،
أضف قيد وهمي أسمه "كلام الناس" إلى الممارسة، ثم أسِرد لنا قصتك مع التأقلم والرفض ثم التمرد.
لأستكمل حديثي عن كم فتاة في مصر ترتدي غطاء الرأس بالإكراه، وكم منهنّ تخلعه خارج المنزل
وكم رسالة بها من الألم ما يجعلك تبكي على حال صاحبتها، هؤلاء من أرسلنَ لي
ومّن لم يرسلنّ أكثر. 

إهداء
عادة لا أرغب في الحديث عن قرارتي الشخصية، حتى أنني لم أكتب عن خلعي للحجاب وقتها
وتفاجئ الجميع أنني أظهر في برنامج تليفزيوني بدون حجاب، لكن بعد زيادة سؤالي عن الحجاب
وعن رغبة كل فتاة أرسلت لي أنها تريد أن تخلع الحجاب وتُريدني أن أطلعها على تجربتي،
قررت أن أهديكنّ هذه التجربة، قررت أن أوجه لكنّ رسائلي من بين السطور
لعل واحدة منكنّ على الأقل تجد ضالتها هُنا، والآن :
-          فكري جيدًا قبل إتخاذ القرار.
-          تحملي مسئولية قرارك.
-          إختاري الوقت المناسب.
-          حللي إنفعالات أسرتك جيدًا.
-          استعيني بأحد الأشخاص الموثوق بهم من أسرتك.
-          أبذلي ما في وسعك بالحلول السلمية.
-          لا تنفعلي، لا تلجأي للصراخ.
-          لا تلجأي للتحدي، هم سيلجأون إليه، اتركي لهم هذه الخطوة.
-          ميّزي أي الأوتار يتحدثون بها، الفرض الديني أم المجتمع أم المشاعر.
-          دبلوماسيتك ليست غباءًا، وإنتظارك للوقت المناسب ليس إستسلامًا.
-          تصالحي مع نفسك ولا تحمّليها أكثر من طاقتها.
-          لا يوجد تغيير بدون مواجهة، الذكاء أن نستثمر المواجهة في صالحنا.
-          يُمكن أن نتجنب الخسائر بالاستسلام، ويمكن أن نقللها بمعرفة كيف سنتعامل مع ما نخسره.
-          إن كنت مازلتي تحتاجينني، فأنت تحتاجين نفسك أولاً، وأنا على استعداد للحديث معكي.
-          كتبت بالياء لأني أعتز بكي أكثر من إعتزازي باللغة.

أنا
بعد مرور عام من هذه التجربة، أهنئ ذاتي بكل اللحظات الصعبة التي مرّت وهي معي، تزيدني إصرار
وتقوّي من إرادتي على الصمود.
كما أهنئ كل الفتيات اللاتي فعلنها سواء بعدما تحدثن إلي أو وحدهنّ.
كنتُ في البداية أشعر أنني مسلوبة الإرادة، والآن أشعر أنني حُرّة ،، حُرّة بمعنى الكلمة.
عندما يتطاير شعري بفعل الهواء و"تبوظ تسريحته" أتذكر ما مر من أجل هذه اللحظة .. فأبتسم.
كل عام وأنتي حُرّة


أول صورة لي بعد خلع الحجاب
25/05/2012
10:15 PM

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق