الخميس، 30 أكتوبر 2014

الثورة تمر على أجساد النساء .


"الثورة تمر على أجساد النساء" 
عبارة أودُ لو أرفقتها بصورة للسيارة البيضاء الأشهر عام 2011 ، وددتُ لو أستطعت إرفاقها بصوت عظام المتظاهرين المرتطمة بعجلات تلك السيارة،  ليلة 28 يناير 2011 بشارع قصر العيني.
في مشهد خالد في أذهاننا صوتًا وصورة، سيارة لا نعلم من يقودها تتجه بقوة إلى المتظاهرين، تسحق عظامهم في غير رأفة، تعلو الصرخات ويشتعل فتيل الغضب فينهض الجميع بعد الصعداء للضرب بقوة على الحديد، ثم الهتاف.
وعلى غرار مبارك، لم أكن أنتوي الحديث عن أحداث ثورية بعينها، لكن إن كان للتخيل بُد، فلنتخيل معاً من الواقع، ولنُدرك سويًا أن من الواقع ما هو أسوء من الخيال.

منذ إنطلاق الموجة الأولى للثورة وهناك إغفال واضح وقد يكون مُتعمّد لأدوار النساء، بداية من أسماء وصور الشهيدات وإختصارهن في الشهيدة سالي زهران، حتى اللحظة. *راجع قائمة شهيدات الثورة المصرية*
مضت ستة أشهر على مقال لي بعنوان "بلورة الكريستال والإغتصاب الجماعي بميدان التحرير"، شرحت به الخلط بين الثقافة الاجتماعية السائدة عن النساء وبين إستغلال السلطات لهذه المفاهيم، وجدير بالذكر أن أول حادث تحرش جماعي تم نشره كان في أوائل عام 2006 صباح عيد الأضحى ونشره المدوّن "وائل عباس"، وأن أول حادث تحرش جماعي تم رصده أثناء الثورة كان بالصحفية "لارا لوجان" أثناء الإحتفال بتنحي المخلوع مبارك.

وهُنا تبدأ قصة هذه الثورة التي أرهقت ثائريها وأُزهِقَت أرواح شهدائها، ففي يوم المرأة 8 مارس 2011 تم التحرش الجماعي بمسيرة نسائية داخل ميدان التحرير، قالت إحدى الناجيات: الإعتداء صدر من أشخاص ينتمون إلى تيار إسلامي حسب ثيابهم وإطلاقهم لِحاهم.

وتفاجئنا بعساكر الجيش يحتجزون عدد من النساء داخل المتحف المصري يوم 11 مارس 2011، وتم تعذيبهنّ والكشف على عذريتهنّ إجباريًا.
*راجع حيثيات قضية كشف العذرية التي رفعتها سميرة إبراهيم*

أما أثناء معركة محمد محمود بين وزارة الداخلية والثورة فقد رصدت الفيديوهات حالات إعتداء بالضرب وشد الشعر للنساء والفتيات بالشوارع أثناء فض الإعتصام.
*راجع فيديو إلقاء الشهداء بالقمامة*

ثم توالت الأحداث لنرى صورة "ست البنات" تتصدر المشهد السياسي بعبائتها السوداء وبيادة عسكرية تعلو جسدها بعد أن تم سحلها وتجريدها من ملابسها، كذلك وفي نفس الأحداث تم الإعتداء بالضرب والسحل على نساء أخريات من بينهنَ "غادة كمال" وبعض المُسِنات.

وأثناء موقعة العباسية مايو 2012 تم إلقاء القبض على عدد من النساء من بينهن الطبيبة "آية محمد كمال" التي ذهبت لتفقد أحوال المصابين ثم ألقي القبض عليها بواسطة الشرطة العسكرية.

وفي النصف الأخير من عام 2012 ، وأثناء معركة محمد محمود في شهر نوفمبر، تم تسجيل عدد من حالات التحرش الجماعي داخل ميدان التحرير، وكانت المرة الأولى التي ننتبه جميعنا إلى أن الإعتداءات منظمة تستهدف النساء، وليست كالتي إعتدناها في إحتفالات مباريات الكرة والأعياد والمناسبات، حيث شهد ميدان التحرير في الذكرى الثانية للثورة 25 يناير 2013 أكثر من 20 حالة إعتداء جنسي جماعي على متظاهرات بميدان التحرير ومحيطه بينهم حالة إغتصاب بآلة حادة.
وفي أحداث 30 يونيو وعلى مدار أربعة أيام تم تسجيل أكثر من 160 حالة إعتداء جنسي جماعي بميدان التحرير، تتراوح أعمار الناجيات من 6 أعوام حتى 70 عامًا، طفلات وحوامل ومسنات، بعضهن إحتاجت دعم طبي ومايتراوح بين 4-6 حالات إغتصاب كامل.
*راجع إحصائيات قوة ضد التحرش*

جرس إنذار
إن كان لهذه الثورة أهداف فلتتوقف قليلاً -  Pause
إن مايحدث في ميدان التحرير حقيقة يجب معالجتها، لا إستغلالها من فصيل سياسي ضد الآخر لتحقيق مكاسب وهمية،
توقفوا إذًا عن الإتجار بأجساد النساء، هن شريكات الوطن وشريكات الثورة، وإن كانت الثورة ستظلم أيًا منّا فلن نرضَ أن نكون الطرف المظلوم، لا نتحدث بعقدة الإضهاد التي وصمتم بها المدافعات عن حقوق النساء على مر عقود لشخصنة القضايا النسوية ، نتحدث من مبدأ الحق في الوطن، عن حق الأمان والسلمية.

عندما نتحدث عن الإعتداءات الجنسية الجماعية بميدان التحرير نُصدم بالإنكار !
وكأن ميدان التحرير هو مدينة فاضلة وليس جَمع بشري به من كل الطبقات الإجتماعية والمستويات الفكرية ما يجعلنا نتمهل في الحكم على المتواجدين به وكأنهم ملائكة.
إن هذه الإعتداءات تحدث كل مناسبة أو إحتفال، فبعض أفراد هذا الشعب لديه كبت جنسي وغياب وعي يجعله يرى في الأنثى قطعة من اللحم، يهمُ بالإنقضاض عليها كلما سنحت له الفرصة،
وإن كانت الأنظمة السياسية تستخدمه كسلاح ضد المتظاهرات فعلينا الإعتراف أنه بالأصل مرض مجتمعي
عملت السلطة على إعطاؤه غطاءاً سياسيًا وتبريرًا لحيوانية بعض أفراد هذا الشعب، إضافة إلى محاولة إستخدام آلات حادة وأسلحة بيضاء لإغتصاب المتظاهرات!

وبعجلات الثورة تُسحق أجساد النساء، بين السحل والتعرية وكشوف العذرية وإعتداءات جنسية جماعية. 

عن دائرة الجحيم
هي دائرة نصف بشرية ونصف شيطانية، هناك في هذه البقعة السوداء من أرض وطنك، أيادي كثيرة تعبث بجسدك، أخرى تساعد في نزع الملابس عنه، ثالثة تحاول جاهدة الوصول إليك،
صراخك يعلو ويعلو ولا أحد يُغيث، جميعهم ينتهكونك، جميعهم يستهدفونك، وفي آذانهم وقرًا عن الصراخ والتوسلات، كثيرون يعرضون المساعدة، لكنهم في الأصل ينتهكونك : "متخافيش أنا بحميكي، وهو إيده في بنطلوني" كما قالت إحداهن، فيختلط الجميع في هستريا، وعدد مطوقي الدائرة يزداد وإن كانت محظوظة ستجدها إحدى فرق التدخل وتنقذها بأقل خسارة ممكنة ، وفي الطريق إليها تتعرض فرق الإنقاذ لشتى أنواع الإيذاء، من ضرب  المعتدين لهم بالشوم والأسلحة البيضاء والأحزمة من أجل الحفاظ على فريستهم التي قد تكون امرأة مسنة، أو طفلة أو حامل،
الدائرة لا يحكمها سن أو حالة إجتماعية، هم فقط ذئاب وجدوا الفريسة.

شريكاتكم يتعرض للإنتهاك، أجسادهن تُنتهك لأنهن يمارسن حقهن في التظاهر، لن أستعطف أحد بعبارات كليشيهية كـ أترضاه لأختك أو أترضاه لأمك ، أنت مُجبر ألا ترضاه لشريكاتك طالما تطالب بحرية الرأي، طالما طالبت بالكرامة الإنسانية وطالما أنت تنتمي لهذه الثورة، فإن كان الحديث عن إنتهاك النساء في ميدان التحرير سيشوّه الميدان، إذا فليتشوّه الميدان، ولتتشوهون جميعًا بإدعاءاتكم الكاذبة عن الحُرية، وأولوياتاتكم التي لا ترأُسها قضيتنا الإنسانية العادلة، ولتذهبون جميعًا إلى مكان ترتضي به النساء أن يكنّ رقم أخير على قائمة أهدافكم السياسية.
فقد طفح الكيل وفاض، وأحملكم جميعًا –أشخاصًا ودولة- مسئولية كل إنسانة تم تشويه نفسيتها في قمة لحظات إنتمائها لوطن يغتصبها معنويًا وجسديًا.

أين ضباط الشرطة الذين رفعتموهم على الأعناق ؟ أين رجال الجيش الذين تتغنون أنهم معكم يدًا واحدة ؟!
وأين الأحزاب والقوى الثورية من ثالث هدف من أهداف الثورة : الكرامة الإنسانية؟
في هذه اللحظات سادتي تنجلي الحقائق، وتُعرف الشعارات الرنانة والخُطب العصماء من المبادئ الثابتة.

هناك صفحة بيضاء في كتاب التاريخ لـ "هنّ"
هنّ اللاتي إنتهكنّ في صمت، وأغفل إنتهاكهنّ الجميع بالصمت ذاته.
هنّ لن تهتف، هنّ تُغتصَب.

غدير أحمد
05\07\2013


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق